وقال ابن عبد البرّ: فيه جواز الهديّة للكافر، ولو كان حربيا.
وتُعُقّب بأن عُطاردًا إنما وفد سنة تسع، ولم يبق بمكة بعد الفتح مشرك.
وأجيب بأنه لا يلزم من كون وفادة: عطارد ستة تسع أن تكون قصة الحلّة كانت حينئذ، بل جاز أن تكون قبل ذلك، وما زال المشركون يقدمون المدينة، ويُعاملون المسلمين بالبيع وغيره، وعلى تقدير أن يكون ذلك سنة الوفود، فيحتمل أن يكون في المدّة التي كانت بين الفتح، وحج أبي بكر -رضي الله عنه-، فإن منع المشركين من مكة إنما كان من حجة أبي بكر -رضي الله عنه- سنة تسع، ففيها وقع النهي أن لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
ومنه: أنه استدلّ به من قال: إن الكافر ليس مخاطبًا الفروع، لأن عمر -رضي الله عنه- لما مُنع من لبس الحلة أهداها لأخيه المشرك، ولم يُنكر عليه.
وتُعُقّب بأنه لم يأمر أخاه بلبسها، فيحتمل أن يكون وقع الحكم في حقّه كما وقع في حق عمر -رضي الله عنه-، فينتفع بها بالبيع، أو كسوة النساء، ولا يلبس هو.
وأجيب بأن المسلم عنده من الوازع الشرعي ما يحمله بعد العلم بالنهي على الكفّ، بخلاف الكافر، فإن كفره يحمله على عدم الكف عن تعاطي المحرّم، فلولا أنه مباح له لبسه لما أهدى له، لما في تمكينه من الإعانة على المعصية، ومن ثَمَّ يَحرم بيع العصير ممن جرت عادته أن يتخذه خمرًا، وإن احتمل أنه قد يشربه عصيرًا، وكذا بيع الغلام الجميل ممن يشتهر بالمعصية، لكن يحتمل أن يكون ذلك على أصل الإباحة، وتكون مشروعيّة خطاب الكافر بالفروع تراخت عن هذه الواقعة. والله أعلم. ذكره في "الفتح"(١) والله تعالى ولي التوفيق، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.