السادس. قيل: اتفقوا على أن الداخل، والإمام في الصلاة تسقط عنه التحية، ولا شكّ أن الخطبة صلاة، فتسقط عنه فيها أيضاً.
وتُعُقّب بأن الخطبة ليست صلاةً من كل وجه، والفرق بينهما ظاهر من وجوه كثيرة، والداخل في حال الخطبة مأمور بشغل البقعة بالصلاة قبل جلوسه، بخلاف الداخل في حال الصلاة، فإن إتيانه بالصلاة التي أقيمت يحصل المقصود، هذا مع تفريق الشارع بينهما، فقال:"إذا أقيصت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة", وقد وقع في بعض طرقه:"فلا صلاة إلا التي أُقيمت"، ولم يقل ذلك في حال الخطبة، بل أمرهم فيها بالصلاة.
السابع: قيل: اتفقوا على سقوط التحيّة عن الإمام مع كونه يجلس على المنبر، مع أن له ابتداء الكلام في الخطبة دون المأموم، فيكون ترك المأموم التحية بطريق الأولى.
وتُعُقّب بأنه أيضاً قياس في مقابلة النصّ، فهو فاسد، ولأن الأمر وقع مقيّداً بحال الخطبة، فلم يتناول الخطيب.
وقال الزين ابن المنير: منع الكلام إنما هو لمن شهد الخطبة، لا لمن خطب، فكذلك الأمر بالإنصات، واستماع الخطبة.
الثامن: قيل: لا نُسلم أن المراد بالركعتين المأمور بهما تحية المسجد, بل يحتمل أن تكون صلاة فائتة, كالصبح مثلاً، قاله بعض الحنفيّة، وقوّاه ابن المنيّر في "الحاشية"، وقال: لعله -صلى الله عليه وسلم- كان كُشف له عن ذلك، وإنما استفهمه مُلاطفةً له في الخطاب، قال: ولو كان المراد بالصلاة التحيّةَ لم يحتج إلى استفهامه, لأنه قد رآه لمّا دخل.
وقد تولّى رده ابن حبان في "صحيحه"، فقال: لو كان كذلك لم يتكرر أمره له بذلك مرة أخرى، ومن هذه المادّة قولهم: إنما أمره بسنة الجمعة التي قبلها، ومستندهم قوله في قصّة سُليك عند ابن ماجه:"أصليت قبل أن تجيء"؛ لأن ظاهره قبل أن تجيء من البيت، ولهذا قال الأوزاعيّ: إن كان صلى في البيت قبل أن يجيء، فلا يصلي إذا دخل المسجد.
وتعقّب بأن المانع من صلاة التحيّة لا يُجيز التنفل حال الخطبة مطلقاً.
ويحتمل أن يكون معنى:"قبل أن تجيء" أي إلى الموضع الذي أنت به الآن، وفائدة الاستفهام احتمال أن يكون صلاها في مؤخر المسجد، ثم تقدّم ليقرب من سماع الخطبة، كما تقدم في قصة الذي تخطى، ويؤكده أن في رواية لمسلم:"أصليت الركعتين" بالألف واللام، وهو للعهد، ولا عهدَ هناك أقرب من تحيّة المسجد، وأما سنة الجمعة التي قبلها، فلم يثبت فيها شيء، كما سيأتي في بابه.