المسألة السادسة: في اختلاف أهل العلم في الكلام بعد الفراغ من الخطبة:
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: اختلفوا في الكلام بعد فراغ الإِمام من الخطبة قبل أن يدخل في الصلاة، فرخّصت طائفة في ذلك:
وممن كان لا يرى به بأساً طاوس, وعطاء, والزهريّ، وحماد بن أبي سليمان، وبكر بن عبد الله، وإبراهيم النخعي، وهو قول مالك، والشافعي، وإسحاق،، وأبي ثور, ويعقوب، ومحمد، وروينا عن ابن عمر أنه قال: لا بأس بالكلام إذا نزل الإِمام من المنبر يوم الجمعة حتى يكبّر.
وكان الحكم بن عُتيبة يكره ذلك، وروي عن طاوس رواية توافق قول الحكم، خلاف الرواية الأولى.
وكذا اختلفوا في الكلام بين الخطبتين، فكرهته طائفة، منهم مالك، والأوزاعيّ، والشافعي، وإسحاق، وقال الحسن البصريّ: لا بأس بالكلام بين الخطبتين، وإذا نزل الإِمام عن المنبر.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: قد كان الكلام مباحاً قبل خطبة الإِمام، وقد أمر الناس بالإنصات لإمامهم إذا خطب، فإذا انقضت الخطبة رجعت الإباحة، والأخبار دالّة على ذلك انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله تعالى بتصرّف (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يترجّح عندي أن الإنصات يكون من خروج الإِمام إلى أن ينتهي من الصلاة، لما تقدم -١٦/ ١٣٩٥ - من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- مرفوعاً:"إذا جاء أحدكم، وقد خرج الإِمام … "، فقد جعل خروج الإِمام مبدأ الإنصات، فلا يتشاغل عنه إلا من يصلي تحيّة المسجد.
ولما يأتي -٢٣/ ١٤٠٣ - من حديث سلمان -رضي الله عنه- مرفوعاً:"ما من رجل يتطهّر يوم الجمعة … " وفيه: "ثم يُنصت حتى يقضي صلاته … "، ففيه أن الإنصات يكون إلى انقضاء الصلاة.
والحاصل أن الإنصات يكون من أوّل ما خرج الإِمام إلى أن ينتهي من الصلاة، فلا يتكلم في خلال ذلك سواء كان في حال الخطبة، أو بين الخطبتين، أو بين الخطبة والصلاة، لما ذكرناه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.