للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال البدر العيني: قلت "حتى" هنا حرف ابتداء يعني أنه حرف يبتدأ بعده جملة، أي تستأنف، فتكون اسميه أو فعلية، والفعلية يكون فعلها ماضيا، ومضارعا، ومثال الاسمية قول جرير: (من الطويل)

فَمَا زالَت القَتْلَى تَمُجُّ دمَاءَها … بدجْلَةَ حتَّى مَاءُ دجْلةَ أشْكَلُ

ومثال الفعلية التي فعلها ماض "حتى عفوا" و"حتى توضئوا" ومثال الفعلية التي فعلها مضارع {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة: آية ٢١٤] في قراءة نافع يعني بالرفع، وقوله "من" للبيان، قلت: إنما تكون "من" للبيان إذا كان فيما قبلها إبهام، ولا إبها هنا لأن التقدير وأمَر الناسَ أن يتوضئوا فتوضؤا حتى توضأ من عند آخرهم، على أن "من" التي للبيان كثيرا ما يقع بعد "ما" "ومهما" لإفراط إبهامهما، نحو {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: آية ٢] و {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} [الأعراف: آية ١٣٢] ومع هذا أنكر قوم مجيء "من" لبيان الجنس، والظاهر أن من ها هنا للغاية، والمعنى: توضأ الناس ابتداء من أولهم حتى انتهوا إلى آخرهم، على أن "من" تأتي على خمسة عشر وجها، والغالب عليها أن تكون للغاية حتى ادعى قوم أن سائر معانيها راجعة إليها، ولم أجد في هذه المعاني الخمسة عشر مجيء "من" بمعنى "إلى"، وادعى الكرماني أنها لغة قوم ولم يبين ذلك، ثم ادعى أنه شاذ.

قال البدر: إن استعمل "من" بمعنى "إلى" في كون كل منهما للغاية، لأن "من" لابتداء الغاية، و"إلى" لانتهاء الغاية يجوز ذلك، لأن الحروف ينوب بعضها عن بعض، والمراد بالغاية في قولهم ابتداء الغاية وانتهاء الغاية جميع المسافة، إذ لا معنى لابتداء الغاية وانتهاء الغاية، فيكون معنى الحديث: حتى توضئوا وانتهوا إلى آخرهم، ولم يبق منهم أحد، والشخص وهو آخرهم داخل في هذا الحكم، لأن السياق يقتضي العموم والمبالغة.