النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، مع أصحابه - رضي اللَّه عنهم -، حيث أقاموا أربعة أيام بمكة، وقد عزموا قبل ذلك على إقامة تلك المدة, لأنهم يعلمون أن أفعال الحج لا تنتهي إلا بهذا القدر من الزمن، فدلّ على أن الأربعة لها حكم السفر، فلذا تقدم ترجيح ما ذهب إليه الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى-، فكل من أقام مدة إقامة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بمكة، وهي أربعة أيام قصر، ومن زاد أتم، واللَّه تعالى أعلم.
ومنها: أن الإقامة بمكة كانت حراما على من هاجر منها قبل الفتح، لكن أبيح لمن قصدها منهم بحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام، لا يزيد عليها، وبهذا رثى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لسعد بن خولة أن مات بمكة.
وما ادعاه الداوديّ من اختصاص ذلك بالمهاجرين الأولين، رده في "الفتح" بأنه لا معنى لتقييده بالأولين.
ومنها: أنه استُدلّ به على أن طواف الوداع عبادة مستقلة، ليست من مناسك الحجّ، وهو أصح الوجهين في مذهب الشافعي، لقوله في هذا الحديث:"بعد قضاء نسكه"، لأن طواف الوداع لا إقامة بعده، ومتى أقام بعده خرج عن كونه طواف الوداع، وقد سماه قبله قاضيًا لمناسكه، فخرج طواف الوداع عن أن يكون من مناسك الحج. قاله في "الفتح"(١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى: هذا الحديث متفق عليه، وقد سبق تمام البحث فيه في الحديث الماضي.
و"أبو عبد الرحمن" هو النسائي، وقائل أخبرنا هو الراوي عنه، والظاهر أنه أبو بكر ابن السُّنِّيّ راوي الكتاب عن النسائي رحمهما اللَّه تعالى، ويقدّر قبل "قال الحارث بن مسكين لفظة "قال"، وتكون جملة "قال الحارث" مقولّا لذلك القول المقدر، ومقول "قال الحارث" جملة "قال: قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - الخ". وقوله: "قراءةً" بالنصب على الحالية، وكذا جملة "وأنا أسمع"، وقوله: "في حديثه" متعلق بـ "قال الحارث". وقوله: "عن سفيان" متعلق بـ "حديثه"؛ لأنه مصدر.