والمعنى إذا رأيتم كلاًّ منهما بانفراده، لاستحالة وقوع ذلك فيهما معًا في حالة واحدة عادة، وإن كان ذلك جائزًا في القدرة الإلهية.
واستدلّ به المصنف -رحمه اللَّه تعالى- على مشروعية الصلاة في كسوف القمر، وسيأتي بيان الخلاف فيه في المسألة الثالثة، إن شاء اللَّه تعالى.
وقوله: "فصلوا"، استدلّ به على أنه لا وقت لصلاة الكسوف معينٌ؛ لأن الصلاة عُلّقت برؤيته، وهي ممكنة في كل وقت من ليل أو نهار، وتقدم بيان الخلاف في المسألة الرابعة من الباب الماضي. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث أبي مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه المصنف هنا ٤/ ١٤٦٢ - وفي "الكبرى" -٤/ ١٨٥٤ - بهذا السند.
وأخرجه (خ) ٢/ ٤٢ و٢/ ٤٨ و٤/ ١٣٢ (م) ٣/ ٣٥ (ق) ١٢٦١ (الحميدي) ٤٥٥ أحمد ٤/ ١٢٢ (الدارمي) ١٥٣٣ (ابن خزيمة) ١٣٧٠. واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: في اختلاف العلماء في صلاة الكسوف للقمر:
قال الإمام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: اختلفوا في الصلاة عند كسوف القمر، فرأت طائفة أن يُصلَّى عند كسوف القمر، روينا ذلك عن ابن عباس أنه فعل ذلك. وبه قال عطاء، والحسن البصريّ، وإبراهيم النخعيّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
قال ابن المنذر: والأخبار دالّة على هذا القول, لأنه سُوِّي بينهما، وأُمِر بالصلاة عند كسوفهما، بُيَّنَ ذلك في الأخبار الثابتة عن نبي اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -.
واستدلّ بحديث أبي مسعود المذكور في الباب، وبحديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -، الذي أخرجه هو، وابن خزيمة في "صحيحه"، وفي سنده ضعف، وفيه: "فإذا رأيتم ذلك، فاحمدوا اللَّه، وكبروا، وسبحوا، وصلوا حتى ينجلي أيهما انكسف … ".
قال: وفي هذا من البيان ما لا يُشكل على من سمعه أن يصلى لكسوف القمر.
قال: والذي ذكرته قول جلّ أهل العلم، غير مالك، فإن ابن نافع حكى عنه أنه قال: ليس لكسوف القمر صلاة معروفة محدودة، ولا أرى بأسًا أن يصلي القوم فُرادى، كل رجل منهم لنفسه ركعتين ركعتين، مثل صلاة النافلة.