للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وذهب ابن القيّم إلى أن أول صلاة صليت للخوف بعسفان، وكانت في عمرة الحديبية، وهي بعد الخندق، وقريظة سنة ست، وصليت بذات الرقاع أيضًا، فعلم أنها بعد الخندق، وبعد عُسفان، وقد بسط الكلام في "الهدي" في الاستدلال لذلك، وإليه جنح الحافظ في "الفتح"، حيث قال بعد الاستدلال لهذا القول: وإذا تقرّر أن أول ما صليت صلاة الخوف بعسفان، وكانت في عمرة الحديبية، وهي بعد الخندق وقريظة، وقد صليت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع، وهي بعد عسفان، فتعين تأخرها عن الخندق، وعن قريظة، وعن الحديبية أيضًا، فيقوى القول بأنها بعد خيبر, لأن غزوة خيبر كانت عقب الرجوع من الحديبية انتهى (١).

(الرابع): أنهم اتفقوا على أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يصل صلاة الخوف في غزوة الخندق، واختلفوا في سبب ذلك، فقيل: كانت بعد نزول صلاة الخوف، وأنه أخرها نسيانًا، يدل عليه ما روى أحمد من حديث ابن لهيعة عن أبي جمعة حبيب بن سباع، قال: إن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال: "هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟ " قالوا: لا يا رسول اللَّه، ما صليتها، فأمر المؤذن، فأقام، فصلى العصر، ثم أعاد المغرب. قال الحافظ: وفي صحته نظر, لأنه مخالف لما في "الصحيحين" من قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - لعمر: "واللَّه ما صليتها". ويمكن الجمع بينهما بتكلف.

وقيل: أخرها عمدًا, لأنه كان مشغولاً بالقتال، والاشتغالُ بالقتال، والمسايفة يمنع الصلاة. قاله صاحب "الهداية"، والطحاويّ، وأبو بكر الجصاص.

وقيل: لأنه لم يكن أُمر حينئذ أن يصلي صلاة الخوف راكبا، فقد رُوي عن أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه -، قال: "كنا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم الخندق، فشغلنا … " الحديث، وفي آخره: "وذلك قبل أن ينزل عليه: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}، أخرجه أحمد، والنسائيّ، والطيالسيّ، وعبد الرزاق، وغيرهم. وقيل: لتعذر الطهارة. وقيل: لأنه كان في الحضر، وشرط صلاة الخوف أن تكون في السفر (٢). قاله ابن الماجشون.

وقيل: أخرها عمدًا لأنه كانت قبل نزول صلاة الخوف، وإليه ذهب الجمهور، كما قال ابن رشد، وبه جزم ابن القيّم في "الهدي"، والحافظ في "الفتح"، والقرطبي في "شرح مسلم"، وعياض في "الشفا"، وغبرهم، وهو الراجح (٣) واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) - راجع، الفتح" ج ٨ ص ١٨٧ - ١٨٨. ومرعاة "المفاتيح"ج ٥ ص١.
(٢) - سيأتي أن الراجح مشروعيتها في الحضر أيضًا.
(٣) - "المرعاة" ج٥ ص ١ - ٢.