وقد تقدّم هذا كلّه غير مرّة، وإنما أعدته تذكيرًا لطول العهد به. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) -بفتح المهملة، وسكون المثناة، واسمه عبد اللَّه، وقيل: عامر، وقيل: اسم أبيه عبد اللَّه، وأبو حَثْمة جدّه، واسمه عامر بن ساعدة، وهو أنصاريّ، من بني الحارث بن الخزرج.
واتفق أهل العلم بالأخبار على أن سهلاً كان صغيرًا في زمن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، إلا ما ذكر ابن أبي حاتم، عن رجل من ولد سهل أنه حدّثه أنه بايع تحت الشجرة، وشهد المشاهد، إلا بدرًا، وكان الدّليلَ للنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - ليلة أُحُد.
وقد تعقّب هذا جماعة من أهل المعرفة، وقالوا: إن هذه الصفة لأبيه، وأما هو فمات النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو ابن ثمان سنين، وممن جزم بذلك الطبريّ، وابن حبّان، وابن السكن،، وغير واحد، وعلى هذا فتكون روايته لقصة صلاة الخوف مرسلة، ويتعيّن أن يكون مراد صالح بن خوّات في الرواية التالية:"عمن صلى مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف" غيرَهُ، والذي يظهر أنه أبوه، كما سيأتي، إن شاء اللَّه تعالى. أفاده في الفتح" (١)
(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - صَلَّى بِهمْ) أي بالصحابة - رضي اللَّه عنهم -، ولفظ أبي داود: "صلى بأصحابه في خوف" (صَلَاةَ الْخَوْفِ) الظاهر أنها غزوة ذات الرقاع، كما صرّح به في الرواية التالية (فَصَفَّ صَفًا خَلْفَهُ، وَصَفًا مُصَافُّو الْعَدُوِّ) خبر لمحذوف، هم مصافّوا العدوّ، والجملة في محل نصب صفة لـ"صفّا" (فَصَلَّى بهِمْ رَكْعَةَ) أي صلى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بالذين صفّوا خلفه ركعة، ولم يُبيّن في هذه الرواية أن الطائفة الأولى أتَمّوا لأنفسهم الركعة الباقية.
وقد بُيّن ذلك في رواية مسلم، ولفظها، من طريق معاذ بن معاذ، عن شعبة: "أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلّى بأصحابه في الخوف، فصفّهم خلفه صفّين، فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم قام، فلم يزل قائما حتى صلى الذين خلفهم ركعة، ثم تقدموا، وتأخر الذين كانوا قدّامهم، فصلى بهم ركعةً، ثم قعد، حتى صلى الذين تخلّفوا ركعةً، ثم سلم". (ثُمَّ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ) أي الذين صلّوا معه الركعة الأولى، وأتموا لأنفسهم (وَجَاءَ أُولَئِكَ) أي الذين كانوا مصافّي العدوّ (فَصَلَّى بهِمْ رَكْعَةً) أي الركعة الثانية له (ثُمَّ قَامُوا، فَقَضَوْا
(١) - "فتح" ج ٨ - صلى اللَّه عليه وسلم - ١٨٩ - ١٩٠.