للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ووجب على مالكه بذله له - صلى اللَّه عليه وسلم -، قالوا: ولكن هذا - وإن كان جائزًا - لم يقع انتهى (١).

وقال القرطبي -رحمه اللَّه تعالى-: وهذا الكلام إنما قاله النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - حين رَفَع ما كان قرّره من امتناعه من الصلاة على من مات، وعليه دين، لم يترك وفاءً، كما قاله أبو هريرة - رضي اللَّه عنه -: كان النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - يُؤتَى بالميت، عليه الدين، فيَسأَلُ. "هل ترك لدينه وفاء؟ "، فإن قيل: إنه ترك وفاءً صلى عليه، وإن قالوا: لا، قال: "صلّوا على صاحبكم"، قال: فلما فتح اللَّه عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من تُوفّي، فترك دينًا، فعليّ، ومن ترك مالاً فلورثته" (٢).

قال القاضي: وهذا مما يلزم الأئمة من الفرض في مال اللَّه تعالى للذرّيّة، وأهل الحاجة، والقيام بهم، وقضاء ديون محتاجهم انتهى كلام القرطبي -رحمه اللَّه تعالى- (٣).

ونقل السيوطيّ عن القاضي عياض -رحمهما اللَّه-، أنه قال: اختلف الشارحون في معنى هذا الحديث، فذهب بعضهم إلى أنه ناسخ لتركه الصلاة على من مات، وعليه دين، وقوله: "صلّوا على صاحبكم"، وأن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - تكفّل بديون أمته، والقيام بمن تركوه، وهو معنى قوله هذا عنده.

وقيل: ليس بمعنى الحمالة، لكنه بمعنى الوعد بأنّ اللَّه تعالى يُنجز له، ولأمته ما وعدهم من فتح البلاد، وكنوز كسرى، وقيصر، فيقضي منها ديون من عليه دين انتهى (٤).

وقال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال أصحابنا: وكان النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لا يصلي على من مات، وعليه دين، لم يَخلُف به وفاءً، لئلا يتساهل الناس في الاستدانة، ويُهملوا الوفاء، فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم، فلما فتح اللَّه على المسلمين مبادئ الفتوح، قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من ترك دينا، فعلي قضاؤه"، فكان يقضيه، واختَلَف أصحابنا، هل كان النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - يجب عليه قضاء ذلك الدين، أم كان يقضيه تكرّمًا، والأصحّ عندهم أنه كان واجبًا عليه - صلى اللَّه عليه وسلم -، واختُلف هل هذه من الخصائص، أم لا؟ فقال بعضهم: هو من خصائص رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: لا، بل يلزم الإمام أن يقضي من بيت المال دينَ من مات، وعليه دين، إذا لم يخلُف وفاء، وكان في بيت المال سَعَة، ولم يكن هناك أهمّ منه انتهى (٥).


(١) - "شرح مسلم" بتصرف ج ٦ ص ١٥٥.
(٢) - متفق عليه، ويأتي للمصنف برقم ٦٧/ ١٩٦٢.
(٣) - "المفهم" ج٢ ص ٥١٠.
(٤) - راجع "زهر الربى" ج٣ ص ١٨٩ - ١٩٠.
(٥) - "شرح مسلم" ج ٦ ص ١٥٥.