للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

- صلى اللَّه عليه وسلم -، وفي رواية أبي داود: "ولولا منزلتي منه … " (مَا شَهِدْتُهُ) أي حضرته (-يَعْني مِنْ صِغَرِهِ-) أي إنما يمتنع شهوده للنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لأجل كونه صغيرًا.

قال ابن بطال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: خروج الصبيان للمُصلَّى إنما هو إذا كان الصبيّ ممن يَضبط نفسه عن اللعب، ويعقل الصلاة، ويتحفّظ مما يُفسدها، ألا ترى إلى ضبط ابن عبّاس القصّة انتهى.

وتعقبه الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: بقوله: وفيه نظر؛ لأن مشروعيّة إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرّك، وإظهار شعار الإسلام بكثرة من يحضر منهم، ولذلك شرع للحُيَّض، فهو شامل لمن تقع منهم الصلاة، أو لا، وعلى هذا إنما يُحتاج أن يكون مع الصبيان من يضبطهم عما ذُكر من اللعب ونحوه، سواءٌ صَلَّوا، أم لا، وأما ضَبطُ ابن عباس - رضي اللَّه عنه - القصةَ فلعلّه لفرط ذكائه. واللَّه أعلم انتهى (١).

وقوله: (أتى العَلَمَ الذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ) جملة مستأنفةٌ بَيَّنَ فيها الحالة التي شهد النبيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عليها حين شهد العيد معه.

والمعنى: جاء النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى العلامة التي عند دار كثير بن الصلت، فالمراد بالعلم - بفتحتين-: العلامة، لا الجبل. وظاهره أن دار كثير بن الصلت كانت موجودة في زمنه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وليس كذلك، فإن كثيرًا بَنَاها بعده - صلى اللَّه عليه وسلم - بزمن، فصارت شهيرة في تلك البقعة, ووُصِفَ المُصلَّى بمجاورتها.

وقال في "الفتح": وتعريفه -أي المصلى- بكونه عند دار كثير بن الصلت على سبيل التقريب للسامع، وإلا فدار كثير بن الصلت محدثة بعد النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وظهر من هذا الحديث أنهم جعلوا لمصلاه شيئًا عُرف به، وهو المراد بالعلم، وهو- بفتحتين-: الشيءُ الشاخص انتهى. (٢)

وكثير بن الصلت -بفتح الصاد المهملة، وسكون اللام، ومثنات فوقيّة-: هو ابن معدي كرب بن وَكِيعَة بِن شُرَحبيل بن معاوية الكنديّ، يُكنَى أبا عبد اللَّه، حليف قريش، وعداده في بني جمُح، ثم تحولوا إلى العبّاس، وقال ابن سعد: وَفَدَ عُمُومته إلى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأسلموا، ثم رجعوا إلى اليمن، فارتدّوا، فقُتلوا يوم النُّجَير، ثم هاجر كثيرٌ، وزُبيد، وعبد الرحمن بنو الصلت إلى المدينة، قال ابن سعد: وُلد كثيرٌ في عهد النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وكان له شَرَف، وحال جميلةٌ، وكذا جزم البخاريّ، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والعسكري، وابن منده بأنه وُلد في عهد النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأورده ابن حبّان في التابعين، وقال البخاريّ: أدرك عثمان، وقال ابن أبي حاتم، عن أبيه: روى عن أبي بكر الصدّيق، وأخرج ابن سعد بسند صحيح إلى نافع، قال: كان اسم كثير بن الصلت قليلاً، فسمّاه


(١) - "فتح" ج ٣ ص ١٤٥.
(٢) - "فتح" ج ٣ ص ١٤٥.