للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مجرى الْحُدَاء، قاله القرطبيّ (١)، زاد في رواية البخاري "بما تقاولت به الأنصار يوم بُعاث"، أي قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء.

ويوم بُعاث يوم قُتل فيه صناديد الأوس والخزرج، وهو يوم قدّمه اللَّه لرسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقد قَدِمَ المدينةَ، وقد افترق ملؤهم، وقُتلت سَرَوَاتهم. و"بُعاث" بضم الموحدة، وبعدها مهملة، وآخره مثلّثة، وهو موضع على ليلتين من المدينة، وقيل: اسم حصن للأوس، وكانت وقعة بُعاث على ما رجحه الحافظ في "الفتح" قبل مقدم النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - المدينة بثلاث سنين، وقيل: بخمس سنين. ودامت العرب بين الحيين قبل ذلك مائة وعشرين سنة، وسببه أن رجلا يقال له كعب من بني ثعلبة، نزل على مالك بن عَجْلان الخزرجي، فحالفه، فقتله رجل من الأوس، يقال له سُمَير، فكان ذلك سبب الحرب بينهما، وكان رئيس الأوس يوم بُعاث حُضير والد أُسيد، فجُرح يومئذ، فمات بعد مدة من جراحته، وكان رئيس الخزرج عمرو بن النعمان، فجاءه سهم في القتال، فصرعه، فهزموا بعد أن كانوا قد استظهروا.

(وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - مُسَجَّى بثَوْبِهِ) أي متلفّف، ومتغطّ به، وإنما تسجّى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بثوبه، إعراضًا عن ذلك، لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك، لكن عدم إنكاره دالّ على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقرّه، إذ لا يُقِرّ على باطل (٢)، والأصل التنزّه عن اللعب واللَّهو، فيُقتصر على ما ورد فيه النصّ وقتًا، وكيفيّة، تقليلاً لمخالفة الأصل، واللَّه تعالى أعلم، أفاده في "الفتح".

(وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: مُتَسَجٍّ ثَوْبَهُ، فَكَشَف عَنْ وَجهِهِ، فَقَالَ: "دَعهُمَا، يَا أَبَا بَكْرٍ) في رواية المصنّف اختصار، أي فانتهَرَهُما أبو بكر، فقال له - صلى اللَّه عليه وسلم -: "دعهما يا أبا بكر".

وفي رواية للبخاريّ: وجاء أبو بكر، فانتهرني، وقال: مِزْمارة الشيطان عند النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأقبل عليه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: "دعهما"، فلما غَفَلَ غَمَزتُهُمَا، فخرجتا.

وقوله: مزمارة الشيطان بكسر الميم، يعني الغناء، أو الدف، لأن المزمارة، أو المزمار مشتق من الزمير، وهو الصوت الذي له الصّفِير، ويُطلق على الصوت الحسن، وعلى الغناء، وسميت به الآلة المعروفة التي يُزمَر بها، وإضافتها إلى الشيطان من جهة أنها تُلهي، فقد تشغل القلب عن الذكر، وفي رواية حماد بن سلمة عند أحمد: فقال: (يا عباد اللَّه أبمزمور الشيطان عند رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -". قال القرطبي: المزمور الصوت،


(١) - "المفهم" ج ٢ ص ٥٣٣.
(٢) هذا التقرير بالنسبة لأول الأمر قبل أن ينتهرهما أبو بكر - رضي اللَّه عنه -، وأما بالنسبة إليه فقد صرح - صلى اللَّه عليه وسلم - بالإذن لهما، بل عمم فيه، فقال: "إنها أيام عيد" وفي رواية "لتعلم يهود أن في ديننا فسْحة، إني بُعثتُ بالحنيفية السمحة".