للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال سعيد بن المسيب لغلامه: لا تكذب عليَّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس (١).

ويحتمل أن يكون التشبيه في المقدار. ولا يلزم منه أفضلية ولا مساواة. فلو أنّ ملكًا أمرك أن تسأله حاجة، فقلتَ له: أعطني كما أعطيت فلانًا؛ لم يلزم من هذا أنّك تعتقد مساواته لك، وإنّما أردت بيان المقدار. على أنّه لو فرض إشعار ذلك بالمساواة، فلا بدع؛ فقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: "نحن أحقُّ بالشكّ من إبراهيم" (٢).

وقال له رجل: يا خير البرية. فقال: "ذاك إبراهيم" (٣). إلى غير ذلك مما بينّاه في مبحث التفضيل بين الأنبياء عليهم وآلهم الصلاة والسلام (٤).

وأبلغ من هذا: تأدب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حين أراد أن يربط الشيطان الذي تفلَّت عليه في الصلاة حتى يراه الناس، ثم ذكر دعوة أخيه سليمان: رب {هَبْ لِي (٥) مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: ٣٥]، فترك ذلك تأدبًا مع سليمان ــ عليه السلام ــ، مع أنّ ربط الشيطان إنّما هو شيء يسير من ملك سليمان، لا يلزم منه مخالفة لدعوته، كما هو ظاهر، ولكنّه - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى أنّ مثل هذا ربما يكون فيه إيهام لذلك (٦).


(١) انظر "العلل": (٢/ ٧١) للإمام أحمد، و"الثقات": (٥/ ٢٣٠) لابن حبان.
(٢) أخرجه البخاري (٤٥٣٧)، ومسلم (١٥١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) أخرجه مسلم (٢٣٦٩) من حديث أنسٍ رضي الله عنه.
(٤) انظر التعليق على (ص ٤٠٢).
(٥) في الأصل: "آتني"، سهو.
(٦) وانظر في الكلام على هذه الآية ما سبق في الفوائد التفسيرية (ص ٥٩ - ٦٢).