للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذا آية الحج، إن قدَّرنا: (ما لم ينزل بعبادته) فمن هذا الباب، وإن قدَّرنا: (ما لم ينزل بوجوده) فلا، وعلى تقدير: (بوجود) في هذه الآيات الثلاث فيكون المراد الأشخاص المتوهَّمة، ولعلَّه أظهر، والله أعلم.

وقال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: ١١٧].

قال البيضاويُّ: {لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} «صفةٌ أخرى لإله لازمةٌ له، فإن الباطل لا برهان له، جيء بها للتأكيدِ وبناءِ الحكم عليه؛ تنبيهًا على أن التديُّن بما لا دليل عليه ممنوعٌ، فضلًا عما دلَّ الدليل على خلافه» (١).

أقول: ويأتي فيه الاحتمالان اللذان قدَّمنا ذكرهما في آية الأعراف (٢)، فتدبَّر، والله الموفِّق.

وأما قول الله عزَّ وجلَّ: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ... وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا [٤٨٠ ط] أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٧٩ - ٨٠].

فالمراد أن يأمرهم من عند نفسه، فأما لو أمره الله عزَّ وجلَّ أن يأمرهم بطاعته واحترامه بالسجود له مثلًا لكان ما يأمرهم به طاعةً لله عزَّ وجلَّ وعبادةً له، لا عبادةً لهذا البشر المبلِّغ عن الله عزَّ وجلَّ، وكذلك إذا أمره الله


(١) هامش حواشي الشيخ زاده ٢/ ٤٠٨. [المؤلف]
(٢) في ص ٧٣٩.