للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى أن يأمر الناس باحترام الملائكة والنبيِّين بالسجود لهم مثلًا فإنه لا يكون السجود لهم من باب اتِّخاذهم أربابًا، بل يكون طاعةً لله عزَّ وجلَّ وعبادةً له وإقرارًا بربوبيَّته، فتدبَّر.

وقد مرَّ الكلام على هذه الآيات في الكلام على تفسير تأليه المسيح عليه السلام (١).

فأما الطاعة والخضوع والتعظيم بغير تديُّنٍ فليست من العبادة في شيءٍ، فمَن أطاع إنسانًا أو شيطانًا أو هوًى في معصية الله تعالى، وهو يعلم أنها معصيةٌ لله تعالى، ولم يزعم أن تلك الطاعة دينٌ تنفعه عند الله عزَّ وجلَّ، ولا تفيده نفعًا غيبيًّا, ولا كانت تلك المعصية شركًا، فليس بمشركٍ.

وبهذا الفرق تعلم [٤٨١] الجوابَ الصحيح عما زعمه الخوارج أن المعاصي شركٌ؛ لأن فاعلها مطيعٌ للشيطان، فهو عابدٌ له. واحتجُّوا بالآيات التي سقناها في ذكر عبادة الشياطين، وغفلوا أن تلك الآيات جاءت في ذكر طاعة الشيطان تديُّنًا يُطْلَب منه النفع، والعاصي من المسلمين لا يطيع الشيطان كذلك.

وقرأت في حواشي الشيخ زاده على البيضاويِّ ما لفظه (٢): «فإن قيل: كيف يجوز أن يكون الشيطان سببًا لزلَّة آدم ومخالفته لأمر الله تعالى؛ مع أن طاعة الشيطان كفرٌ، وذلك لا يتصور من الأنبياء؟

فالجواب: أنه لا يكفر بذلك ... , وإنما يكفر إذا قصد طاعة الشيطان


(١) انظر ص ٦٤٨ - ٦٥٤.
(٢) ملحق ص ٤٨١. [المؤلف]