للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالصواب ما قدَّمناه.

ثم آيات القرآن ظاهرةٌ في أنَّ آدم وحوَّاء عليهما السلام قَبِلا وسوسة اللَّعين وأكلا من الشجرة على أمل الخلد، ولكننا نقول: لم يطلبا بذلك نفعًا غيبيًّا.

ألا ترى لو أن رجلًا أُصِيب بمرضٍ مُهلِكٍ في العادة، فقيل له: تناولْ من هذا الدواء وإلا هَلَكْت، فتناوله لئلَّا يهلك؛ جريًا مع الأسباب، مع علمه أنَّ ما سبق في علم الله عزَّ وجلَّ لا يتبدَّل، لم يكن طالبًا نفعًا غيبيًّا.

وهكذا مَنْ قيل له: كما جرت عادة الله عزَّ وجلَّ بأنَّ مَن لم يأكل الطعام يموت، فكذلك جرت عادته بأنَّ مَن لم يتناول هذا الدواء لا يعيش أكثر من خمسين سنةً إلا نادرًا، وأنَّ مَن أكل منه يعيش سبعين سنةً أو أكثر غالبًا، فإنه إذا تناول من ذلك الدواء ليعيش سبعين سنةً أو أكثر جريًا مع الأسباب، مع علمه بأنَّ ما سبق في علم الله تعالى لا يتبدَّل؛ فإنما يكون طالبًا نفعًا عاديًّا. ولم يكونا قد شاهدا أحدًا مات، بل شهدا الملائكة المخلَّدين، فلذلك قوي عندهما أنَّ طول البقاء أمرٌ عاديٌّ.

فأما أن يكونا مَلَكين، فإنهما لم يريدا ذلك، وكيف يريده آدم وقد سجدوا له، /ولم يذكر إبليس أن يكونا مَلَكين إلَّا حيث ذكر علَّة النهي، وذلك قوله: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: ٢٠].

فأما الترغيب والإطماع فإنما كان بالخلود، كما قال تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (١٢٠) فَأَكَلَا