ولكنه ينشأ من هنا المقامُ الثاني، وهو أنه لا يكفي فهم الآية من كتاب الله تعالى أو فهم الحديث في معرفة الحكم، وذلك أن حصول المعرفة المعتبرة متوقف على أمور كثيرة، مثالُه الحديث المختلَف في حسنه، الدالُّ على حكمٍ من الأحكام دلالةً مختلَفًا فيها، المعارَضُ بحديثٍ آخر معارضةً مختلَفًا في الترجيح فيها، مع إمكان أن يكون [في الكتاب أو السنة](١)[ص ٥٧] ما يخالفه بنسخٍ أو تخصيصٍ أو تقييد أو تأويلٍ أو غير ذلك.
فالمجتهد مُلزَمٌ بالنظر في أمورٍ:
منها: النظر في وجوب العمل بخبر الآحاد، ويحتاج في هذا إلى اجتهاد مستقل.
ثم النظر في رُواته واحدًا واحدًا، ويحتاج في هذا إلى اجتهاد آخر.
ثم النظر إلى دلالته، ويحتاج فيها إلى اجتهاد ثالث بالنظر في علوم اللسان لمعرفة كيفية الدلالة وكونها معتبرة.
ثم إلى اجتهاد رابع بالنظر في الكتاب والسنة، هل تلك الدلالة معتبرة شرعًا أم لا؟
ثم إلى اجتهاد خامس بمراجعة الكتاب والسنة، هل فيهما ما يخالف ذلك من ناسخ أو مخصص أو غيره مما مرّ.
ثم يحتاج إلى اجتهاد سادس، وهو النظر في الترجيح عند وجود المعارض.
(١) تآكل في طرف الورقة أتى على عدّة كلمات، ولعلها ما أثبت.