للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقرير الاستدلال بالآية: أن لفظ "المساجد" عام يتناول كل مسجد، والجملة مفيدة للاختصاص، كما في {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: ١]، بل الأمر هـ? هنا أظهر، والحصر هـ? هنا حصر إفراد، لقوله: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} أي: أن المساجد كلها لله وحده لا شريك له، خالصةً من كل شرك.

فتبين أن من خواصِّ المسجد أن يكون خالصًا لله، فمن بنى بناءً، وزعم أنه قصد به أن يكون مسجدًا، فإن كانت نيته في بنائه خالصة لله وحده لا شريك له، كان البناء مسجدًا. وإن لم يكن كذلك، كأنْ قَصَد أن يكون على قبر فلان الصالح، [ص ١١] أو بالقرب منه، فهذا لم يُبْنَ خالصًا لله وحده لا شريك له، وبهذا فُقِدَت منه تلك الخاصَّة المعتبرة في المساجد.

ومما يُؤيَّد به هذا الاستدلال حديث مسلم (١) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عَمِل عملًا أشركَ فيه معيَ غيري، تركتُه وشِرْكَه".

وفي رواية: "فأنا منه بريء، وهو للذي عَمِلَه" (٢).

والذين يبنون المساجد على القبور لا يحملهم على بنائها إلّا وجود القبور، حتى لو لم يكن هناك قبورٌ لما بنوا.

ويجاب عن هذا: بأن غاية ما فيه أن يكون وجود القبر سببًا حاملًا على بناء المسجد، وهذا كما يمرّ إنسان على قرية آهلةٍ، ليس لها مسجد، فيحمله ذلك على أن يبني فيها مسجدًا، وبأن قَصْد أن يكون المسجد على قبر فلان


(١) رقم (٢٩٨٥).
(٢) هذا لفظ ابن ماجه رقم (٤٢٠٢)، وابن خزيمة في الصحيح رقم (٨٩٣) وغيرهما.