للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن لم يسبق في علمه وإرادته ذلك، فيكون في ذلك اعتقاد البَداء. وهو أنه سبحانه قد

يكون يريد شيئًا، ثم يبدو له شيء لم يكن يعلمه قبل، فيدعه؛ أو أنه لا ذا ولا ذاك، ولكنه قد علم أنه في أصل إرادته يريد شيئًا، وأن الملائكة يشفعون بخلافه، وأنه لابد حينئذ من قبول شفاعتهم؛ فليس في اعتقاد مشركي العرب شيء (١) من هذا، كما دلَّت الآيات السابقة وغيرها، ممّا سُقتُه في "رسالة العبادة" (٢).

والذي يتحصَّل مما كانوا يقفون عنده في شفاعة الملائكة أنهم مقرَّبون عند الله عزَّ وجلَّ، وأنه إن لم يأذن لهم بالشفاعة في شيء أذِن لهم في غيره، وإذا لم يقبل شفاعتهم في شيء قَبِلها في غيره، وأنَّ شفاعتهم من جملة الأسباب التي اعتدَّت بها الشرائع، كدعاء الله عزَّ وجلَّ والتضرع إليه وطاعته، فإنَّ ذلك كلَّه مما يُرجى به رضوانُ الله وعفوُه وغيرُ ذلك من تفضُّلٍ بنفعٍ أو دفعِ ضرٍّ. ومعلومٌ أنَّ اعتقادَ ذلك لا يلزم منه القولُ بالبداء، ولا إنكارُ سبقِ علم الله عزَّ وجلَّ بكل ما يكون. وكيف يلزم ذلك، وبه بعثت الرسل ونزلت الكتب وشرعت الشرائع؟

وإنما كان يبقى عند المشركين أنهم يزعمون أنَّ ذلك القدر الباقي للملائكة من الشفاعة مسوِّغ لأن يدعوهم الإنسان ويعظِّمهم ويسأل منهم الشفاعة وأن الله تعالى يرضى ذلك، وأن الملائكة يشفعون لمن فعل ذلك. وجاء الإسلام بأنَّ ذلك القدر لا يسوِّغ ما ذُكِر، وأنَّ الله لا يرضاه ولا يأذن فيه، وأنَّ الملائكة أنفسهم يتبرؤون ممن فعله، ويبغضونه ويعادونه.


(١) في الأصل: "شيئًا"، سهو.
(٢) انظر (ص ٧١٤ وما بعدها).