للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدليل على أنه أراد به الشرك الحقيقي لا مجرد الرياء (١).

[٦٠/ب] الأمر الثاني: أنه لا يلزم من كون الفعل في نفسه عبادةً لغير الله وشركًا أن يكون الفاعل مشركًا. بل لا يُحكَم بشركه حتى يُعلم أنه ليس له عذر، وأنَّ الحجة قد قامت عليه. وقد بسطتُ هذا حقَّ البسط في "رسالة العبادة" (٢)، ودلَّلت عليه بالكتاب والسنة وأقوال السلف ومَن بعدهم من أهل العلم. وبيَّنتُ أنه قد يكون الفعل في نفسه شركًا، والفاعلُ من خيار عباد الله تعالى وأوليائه، لعذره في ذلك الفعل وصلاحه في نفسه.

الأمر الثالث: أنَّ البدع في الدين كلها تؤول إلى عبادة غير الله، ولولا العذرُ لكان كلُّ مبتدع مشركًا. وقد بسطتُ هذا في موضعه، ولله الحمد.

الأمر الرابع: أنَّ السلطانَ المذكورَ في تعريف العبادة: المرادُ به البرهانُ المفيدُ للقطع، إما بنفسه، وإما بأصله. فالذي بنفسه فكصريح القرآن والسنة القطعية. وأما بأصله فكالدلائل الظنية التي قام البرهان القطعي على وجوب العمل بجنسها. وذلك كدلالة ظنية من الكتاب، فإنَّ كونَ ظواهِر الكتاب حجةً ثابتٌ قطعًا، وكونَه يلزم العالم العمل بما ظهر له من الكتاب بعد النظر والاجتهاد ثابتٌ قطعًا.

الأمر الخامس: أنَّ هذا التفسير الذي فسرتُ به العبادةَ مقتبَس من نصوص لا تحصى من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم. ومن أقوالهم ما هو


(١) (ص ١٤٣ وما بعدها).
(٢) رسالة "العبادة" (ص ٩١٤ وما بعدها).