للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرآن عليه، واشتهاره بين الرواة، كما علمت. بخلاف أكل الجثث، فإنه لم يصرح به في شيء من الروايات، بل ولا دلّت عليه رواية من الروايات دلالة قوية، بل ولا أعلم أحدًا قبل المعلِّم ذكر أن تلك الطير أكلت جثثهم.

والاختلاف بالمعنى المذكور إنما يظهر نسبته إلى الطير، لأنها هي التي يجيء بعضها، ثم يذهب، ويخلفه غيره؛ لا إلى مناقيرها، كما قال المعلم. على أنه قد ثبت حمل الطير الحجارة، ورميها عن سعيد بن جبير نفسه، كما تقدم في الأمر الأول في رواية ابن أبي شيبة، وسندها على شرط مسلم.

وقد تقدم أواخر فصل (ب) حديث ابن عباس الذي صححه الحاكم والذهبي، وفيه: "فأقبلت مثلُ السحابة من نحو البحر حتى أظلّتهم طير أبابيل التي قال الله عزَّ وجلَّ: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}، قال: فجعل الفيل يعِجُّ عجًّا، {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}.

ولا يخفى دلالة هذا على أن الطير رمتهم بالحجارة. بل وتقدم في الأمر الخامس من أمور الفريق الأول رواية عكرمة عن ابن عباس، وفيها التصريح بحمل الطير الحجارة، ورميهم بها. وتقدم عن الحافظ ابن حجر أن سنده حسن.

وفيما ذكره ابن إسحاق (١) قول ابن قيس الرقيات ــ وهو تابعي ــ يذكر البيت:

كاده الأشرمُ الذي جاء بالفيـ ... ـل فولّى وجيشُه مهزومُ

واستهلّت عليهم الطيرُ بالجَنْـ ... ـدَلِ حتّى كأنه مرجومُ


(١) سيرة ابن هشام بهامش الروض الأنف (١/). [المؤلف]. ط السقا (١/ ٦١).