للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو فرضنا أن الحكاية رويت عن ابن أبي سريج من عدة أوجه صحيحة وثيقة يجب ترجيحها على رواية ابن أبي حاتم لما ساغ أن يُتَّهم، بل يحمل على أنه سمع الحكاية، ففهم منها المعنى الذي يظهر من اللفظ الذي عبَّر به، ولم يكتبها. ثم مضت عليها مدة، فاحتاج إلى أن يذكر الحكاية، فلم يتذكر لفظها، فعبَّر عنها بما يراه يؤدِّي ذلك المعنى الذي فهمه. واحتاط، فلم يأت بلفظ صريح، بل أتى بلفظ محتمل، ثم فسَّره بالمعنى الذي فهمه. ومثلُ هذا أو [١/ ٣٢٣] أشدُّ منه قد يتفق في الأحاديث النبوية لمن هو أجلُّ من [ابن] (١) أبي حاتم، ثم لا يكون موجبًا وَهْنًا ما في الراوي.

أما الأمر الثالث، فقد أجبتُ عنه في قسم الاعتقاديات (٢). وإن صح عن ابن أبي حاتم إطلاق أن قول: «لفظي بالقرآن مخلوق» كفرٌ مُخرجٌ عن الملة، فمرادُه بذلك قولُ تلك الكلمة معنيًّا بها أن القرآن مخلوق. وأهل العلم قد يحكمون على الأمر بأنه كفر، ولا يحكمون بأن كل من وقع منه خارج عن الملة؛ لأن شرط ذلك أن لا يكون له عذر مقبول. ويأتي مثل هذا في الزنا والربا وغيرهما. وقد جاء في الحديث تعريف الغيبة بأنها ذكرُك أخاك بما يكره، وقد يذكر المؤمنُ أخاه بما يكره غيرَ شاعرٍ بأنه يكرهه بل ظانًّا أنه يحبه. فلا يلحقه الإثم، وإن صح أن يسمَّى ما وقع منه غيبة، وصح أن يقال: الغيبة حرام يأثم صاحبها.

وقد قال الله تبارك وتعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ


(١) سقطت من (ط).
(٢) (٢/ ٣٣٤ - ٣٣٦).