حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد ... ولا نعلم أحدًا يذكر عن عروة عن المغيرة "على ظاهرِهما" غيرُه ... قال محمد ــ يعني البخاري ــ: وكان مالك يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد".
فإذا تدبرنا ما تقدم تبين لنا أن لابن أبي الزناد أحوالًا:
الأولى: حاله فيما يرويه عن هشام بن عروة. قال ابن معين: إنه أثبت الناس فيه، فهو في هذه الحال في الدرجة العليا من الثقة.
الحال الثانية: حاله فيما يرويه عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة. ذكر الساجي عن ابن معين أنه حجة. وهذا قريب من الأول. وظاهر الإطلاق أنه سواء في هاتين الحالين ما حدَّث به بالمدينة وما حدَّث به ببغداد. وهذا ممكن بأن يكون أتقنَ ما يرويه من هذين الوجهين حفظًا فلم يوثِّر فيه تلقين البغداديين، وإنما أثَّر فيه فيما لم يكن يُتقِن حفظَه، فاضطرب فيه، واشتبه عليه.
الثالثة: حاله فيما رواه من غير الوجهين المذكورين بالمدينة، فهو في قول عمرو بن علي والساجي أصحُّ مما حدَّث به ببغداد. ونحو ذلك قول علي ابن المديني على ما حكاه يعقوب، وصرَّح ابن المديني في حكاية ابنه أنه صحيح. ويوافقه ما روي عن مالك من توثيقه إذ كان بالمدينة والإرشادِ إلى السماع منه مخصِّصًا له من بين محدثي المدينة. ويلتحق بذلك ما رواه بالعراق قبل أن يلقِّنوه ويشبِّهوا عليه، أو بعد ذلك ولكن من أصل كتابه. وعلى ذلك تُحمل أحاديث [٢/ ٣٥] الهاشمي عنه لثناء ابن المديني عليها، بل الأقرب أن سماع الهاشمي منه من أصل كتابه، فعلى هذا تكون أحاديثه عنه أصحَّ مما حدَّث به بالمدينة من حفظه.