المعيار الشرعي لما يجب فيه القطع هو قيمة المجن، فكأنها كانت أولًا لا تزيد عن أقلِّ ما يحقُّ على آخذه اسم «السارق»، وحينئذ أنزل الله عز وجل:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨]، ثم كأنها ترقَّتْ قليلًا فصارت كقيمة الحبل والبيضة، وحينئذ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«لعن الله السارقَ يسرق الحبلَ فتُقطعُ يده، ويسرق البيضة فتقطع يده» ثم ترقَّتْ فصارت ربع دينار، وهو عند الحنفية درهمان ونصف، وحينئذ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا»، ثم ترقت فصارت ثلاثة دراهم، وحينئذ قطع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مجنٍّ قيمته ثلاثة [٢/ ١٣٧] دراهم.
ثم كأنها بقيت كذلك إلى أن قطع أبو بكر في شيء يقول أنس:«ما يسرُّني أنه لي بثلاثة دراهم». ثم كأنها ترقَّت، فصارت خمسة دراهم. وحينئذ قطَع أبو بكر في مجنٍّ قيمته خمسة دراهم. وكأنها بقيت على ذلك إلى أوائل عهد عمر، وحينئذ قال ــ لو صحَّ عنه ــ: لا تُقطَع الخمسُ إلا في خمسٍ. ثم كأنها نقصت إلى درهمين ونصف، فحينئذ قال عمر ــ لو صحَّ عنه ــ: إذا أخذ السارقُ ربعَ دينار قُطِع. ثم كأنها ترقَّتْ، فصارت عشرة دراهم. وحينئذ امتنع ــ لو صحَّ عنه ــ من القطع في ما قيمته ثمانية دراهم.
ثم نقصت في عهد عثمان، وحينئذ قَطَع في أترجَّةٍ قيمتها ثلاثة دراهم، ثم ازدادت نقصًا، وحينئذ قَطَع في فخارة خسيسة. ثم تحسنت الحال قليلًا في زمن علي، وحينئذ قَطَع في بيضة حديدٍ قيمتها ربع دينار، وأفتت عائشةُ بالقطع في ربع دينار. ثم لا أدري متى عادت فترقَّتْ إلى عشرة دراهم، وحينئذ ــ بمقتضى هذا المسلك ــ نزل الوحيُ بإلغاء اعتبار قيمة المِجنّ، وأن يكون المعتبر هو العشرة الدراهم!