للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التصوف آخر ما يمكنه، فلم يكن له بدٌّ من محاولة إقناع نفسه به.

ثم صار كلامه في كتبه ترددًا بين هذه الطرق، وكثيرًا ما يختلف كلامه في القضية الواحدة، يوافق هذه الفرقة في موضع، ويخالفها في آخر، حتى ضرب له ابن رشد (١) مثلًا قول عِمْران بن حِطَّان:

يومًا يمانٍ إذا لاقيتُ ذا يمنٍ ... وإن لقيتُ مَعَدِّيًّا فعدناني

وذلك يدل أن إحاطته بتلك الطرق لم تحصِّل مقصوده من الخروج عن الحَيْرة، بل أوقعته في التذبذب. وكأنّ ذلك مما بعثه على الرجوع في آخر عمره إلى ما كان أولًا يرغب عنه، ويرى أنه لا شيء فيه، فأقبل على حفظ القرآن، وسماع "الصحيحين"، فيقال: إنه مات و"صحيح البخاري" على صدره، لكن لم يُمَتَّع بعمره حتى يظهر أثر ذلك في تصنيفه. والله أعلم.

[٢/ ٢٣٦] وأما الفخر الرازي، ففي ترجمته من "لسان الميزان" (٤/ ٤٢٩) (٢): "أوصى بوصية تدلّ على أنه حسُنَ اعتقاده". وهذه الوصية في ترجمته من كتاب "عيون الأنباء" (٢/ ٢٦ - ٢٨) (٣) قال مؤلف الكتاب: "أملى في شدّة مرضه وصيةً على تلميذه إبراهيم بن أبي بكر بن علي الأصفهاني ... وهذه نسخة الوصية: بسم الله الرحمن الرحيم، يقول العبد الراجي رحمةَ ربه الواثقُ بكرم مولاه محمد بن عمر بن الحسين


(١) في "فصل المقال" (ص ٣٠). والبيت في "الأغاني" (١٨/ ١١٢) و"التذكرة الحمدونية" (٨/ ٢٤٣).
(٢) العبارة في "اللسان" (٦/ ٣٢١ ط. أبي غدة) في الهامش نقلًا عن حاشية نسخة (ص).
(٣) (٣/ ٤٠ - ٤٢) ط. دار الثقافة.