للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٥٩ - ٦٥].

وانظر أين أنت منها؟ ففي هذا الإجمال كفاية، وبه يتضح ما في عبارة الكوثري من المغالطة؛ فإنها توهِم أن قول القائل: أرجو أو إن شاء الله، ينافي الجزم بما في القضية الأولى. فإن قول الكوثري في تفسير ذلك: «ولا أدري ما إذا كان ما أعتقده إيمانًا هنا، إيمانًا عند الله» يصدُق بأن تكون الإشارة إلى الإيمان بما في القضية الأولى، كأنه قال: [٢/ ٣٧٧] لا أدري هل الإيمان بنبوة محمد إيمان عند الله؟ وهكذا في بقية الأمور. وقول الكوثري: «بل جوَّز بتلك الإرادة أن يكون الإيمان خلافَ ما يعتقده» كالصريح فيما ذكر من الإيهام.

فإن قلت: إذا كان الرجل جازمًا بوجود الله تعالى وربوبيته وتفرده بالألوهية ونبوة محمد وغير ذلك من أمور الإيمان التي تتضمنها القضية الأولى، فما الذي يشكِّكه في القضية الثانية، أي في أنه جازم بتلك الأمور؟ ثم ما الذي يشكِّكه في الثالثة، أي في أنه عند الله تعالى مؤمن حقًّا؟

قلت: قد مرَّ ما يكفي لو تدبرته، وأزيده إيضاحًا:

تقدم في المسألة السابقة أن الجزم يتفاوت، فإذا ثبت ذلك ولم يكن عندك برهان واضح على أن القدر الذي عندك منه كافٍ عند الله تعالى، فمن أين يتهيأ لك أن تجزم بذلك؟ وهَبْ أن الجزم الأول لا يتفاوت، فمن أين لك أن تجزم بأن جزمك مساوٍ لجزم جبريل ومحمد عليهما السلام؟ فإن مَنَّتْك نفسُك ذلك، فانظر إن كنت من أتباع المتكلمين في النصوص المصرِّحة بأن الله تعالى في السماء فوق سماواته على عرشه، والنصوص