ولنفرض أن كلمة "متعمدًا" لم تصح ولا ما في معناها، فقد دل عليها الأصول القطعية؛ يقول الله عزَّ وجلَّ:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧].
وقال تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب: ٥]، وعلَّم اللهُ عبادَه أن يقولوا:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: ٢٨٦]، وما علّمهم ذلك إلا ليستجيب لهم. وقد ثبت مقتضى ذلك في الصحيح، وهو أن الصحابة لمَّا قالوا ذلك، قال الله تعالى:"قد فعلتُ".
والإنسان معرَّض لأن يقع منه الخطأ مع أنه لم يقصِّر، وقد ذكر أبو ريَّة ص ٢٠ حكم كلام الرسول في الأمور الدنيوية بما تحسن مراجعته.
نعم، إن النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم في تبليغ الدين، لكن أصحابه غير معصومين، فهُم معرَّضون لأن يقع منهم الخطأ ولو نادرًا.
قال أبو رية ص ٤١: (إن العقل السليم والخلق الكريم ينفران من قبول رواية "متعمدًا"؛ لأن الكذب هو أبو الرذائل كلها، سواء كان عن عمدٍ أو غير عمد).
كذا يقول! علمتَ أنه إما أن يكون يفهم من كلمة "متعمدًا" خلاف ما نفهمه نحن، وإما أن يكون مُكابرًا يكلِّف الناس أن يكونوا معصومين! مع أنه قد اعترف (١) بأنهم ليسوا ــ ولا في إمكانهم أن يكونوا ــ معصومين، وأن المعصوم هو النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصةً في التبليغ عن ربِّه، فإن كان مكابرًا فلا معنى للكلام معه.