الاحتجاج فليوطِّن نفسه على قبول الحجة، ولو على خلافِ قولِ إمامه، وإلَّا وقع في الخطر من تقديم هواه على ما جاء به الرسول، وجَعْلِ كلامِ مقلَّدِه أصلًا يُرَدُّ إليه ما خالفه من كلام الله ورسوله. والله يهدي من يشاء إلى سراطٍ مستقيم".
كان الشيخ عالمًا بالحديث والرجال والعلل، وتغلب عليه هذه النزعة عندما يذكر الأحاديث، فيتكلم عليها تصحيحًا وتضعيفًا، ويأتي بالطرق والشواهد، ويترجم لرجال الأسانيد، ويشير إلى بعض العلل الخفية، ويُعقِّب أحيانًا على الحافظ ابن حجر والنووي وغيرهما من النقّاد. والأمثلة على ذلك كثيرة في هذه الرسائل، ويكفي مراجعة رسالته "سنة الجمعة القبلية"، و"هل يُدرِك المأموم الركعة بإدراكه الركوع مع الإمام"، و"القبلة وقضاء الحاجة"، وبحث في حديث قيس بن عمرو في صلاة ركعتي الفجر بعد الفرض، ومسألة إعادة الصلاة، وبحث في حديث معاذ بن جبل في صلاته بقومه، وبحث في وقت تشريع ونزول آية صلاة الخوف، وغيرها، فقد أطال الشيخ فيها الكلام على نقد الأحاديث الواردة في الباب، وناقش بعض العلماء في القديم والحديث من الذين تكلموا عليها وعلى فقهها، ووفَّق بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض. وقلَّما تخلو رسالة من هذه الرسائل الفقهية من فائدة حديثية، أو تنبيه على إشكال وحلّه، أو تعقيب على وهم، أو كلام على الرجال والعلل، يكون من بنات فكره ودقائق استنباطه.
وإلى جانب تمكُّنه من علوم الحديث والرجال كان واسعَ الاطلاع على كتب التراث في فنون مختلفة، وقد استفاد منها وأحال إليها كثيرًا في هذه الرسائل، ولو قرأنا مثلًا رسالته "مقام إبراهيم" و"توسعة المسعى" و"سير