تعالى حكايةً عن المشركين:{أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ}، حيث قُوبل في الآية الافتراء بالجنون، لما أن من لازم الجنون عدم الافتراء، فكأنه قيل: أافترى أم لم يفترِ، فكذلك قُوبل في الحديث صلاة معاذ معه - صلى الله عليه وآله وسلم - بتخفيفه لقومه، كما أن تخفيفه بهم يتوقف على صلاته بهم، وصلاته بهم تستلزم عدمَ صلاته مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكأنه قيل: إما أن تُصلِّي معي، وإما أن لا تُصلِّي معي.
وأقول: لا بأس بهذا، وإنما الشأن في وجه الاستلزام، فاستلزام الجنون لعدم الافتراء واضح معلوم للمخاطب، وكذلك استلزام صلاة معاذ بقومه لعدم صلاته مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من حيثُ إن المطلوب أن يصلّي بهم معجّلًا، لما عُلِم من المقام والسياق من النهي عن التأخير، لما فيه من التشديد الذي يُخشى منه الفتنة.
هذا هو الذي يفهمه القوم، ويقتضيه المقام والسياق وعدمِ الإتيان بالواو بين الجملتين، كما مرَّ.
فإن زعم زاعم أن للاستلزام وجهًا آخر فهو باطل، إذ لم يكن القوم يعرفونه، ولا في المقام والسياق ما يدل عليه.
الاحتمال الثاني: أن يكون مراده - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما هو النهي عن الجمع بين التأخير والتطويل.
وعليه، فالتقدير كما قال ابن حجر، وقد يؤيده أن التأخير إنما شقَّ عليهم تلك الليلة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أخَّر العشاء فوق العادة، فتأخّر معاذ (١) فوق ما