للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان يتأخّر تلك الليلةَ، وهذا بيِّنٌ في الروايات المفصّلة الصحيحة، كرواية ابن عيينة: «وقال الرجل: يا رسول الله، إنك أخَّرتَ العشاء ... ».

ومما يوضِّح هذا أن الروايات المفصّلة الصحيحة مقتصرة على [النهي] عن التطويل، وذلك يدلّ أنه هو الذي استوعب الحال.

فأما الزيادة التي نقلها العثماني: «ارجعْ إليهم قبل أن يناموا» فهي تدلّ على تقرير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لهم، وأن يأتمُّوا بمعاذ بعد أن يصلِّي معه - صلى الله عليه وآله وسلم -.

وبيان ذلك: أن عادة بني سلمة كانت أن الأقوياء منهم يأتون إلى مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فيصلُّون معه المغرب، ثم يرجعون إلى بيوتهم فيصلُّون، والرامي يرى موقعَ سهمه، كما يأتي عن جابر، ثم إذا جاء وقت العشاء أتوا المسجدَ النبوي وصلَّوا العشاء مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم يرجعون إلى بيوتهم، ومنهم معاذ، غير أنه انفرد بأنه كان إذا رجع إلى قومه صلَّى بالمتأخرين منهم، فإذا رجع عقب المغرب صلَّى بهم المغرب كما في حديث الترمذي، وقد تقدم، وإذا رجع عقب العشاء صلى بهم العشاء كما في حديث «الصحيحين» وغيرهما، فكان له في المغرب والعشاء مجيئان ورجوعان، ولا يحسن حمل الرجوع في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ارجِعْ إليهم قبل أن يناموا» على الأول؛ لأن الحمل عليه يُحوِج إلى تقدير، والأصل عدمه، ولأن المتبادر إنما هو الرجوع الثاني؛ لأنه هو الذي شَكَوا من تأخُّره حتى يناموا.

إذا تقرر هذا، فمعنى هذه الزيادة ــ والله أعلم ــ هكذا: إذا جئتَ لتصلِّي العشاء معي فانظر، فإن وجدتَني عجَّلتُها فصلِّ معي، ثم ارجِعْ إليهم قبل أن يناموا، وإن وجدتَني أخَّرتُها فلا تنتظرْني، وارجِعْ إليهم قبل أن يناموا.