وفي هذه مراعاة لرغبة معاذ ورغبة قومه؛ لأن معاذًا كان يرغب في أن يصلّي مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقومه ــ وإن شكا بعضُهم من تشديده ــ راغبون في أن يُصلِّي هو بهم، إذْ لم يكن فيهم أعلم ولا أفضل ولا أحبّ إليهم منه.
[ق ٢٢] ومن أجوبتهم الخاصة بقصة معاذ أيضًا: أنه يحتمل أن يكون معاذ كان يُصلِّي مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أنها نافلة له، ثم يُصلِّي بقومه على أنها فريضته.
ورُدَّ بأن هذا خلاف الظاهر، بل الظاهر من حال مَن يعلم أن عليه فريضة يجب عليه أداؤها أنها إذا حضرتْ فصلّاها، إنما يَقصِد أداءها، ويتأكد ذلك بعدم الوقوف، أو من المحتمل أن يموت أو يعرض له عارض.
وقال بعض الشافعية: لا يُظَنُّ بمعاذٍ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في المسجد الذي هو من أفضل المساجد.
حكاه ابن حجر في «الفتح»(١) ثم قال: للمخالف أن يقول: إذا كان ذلك بأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يمتنع أن يحصل له الفضل بالاتباع.
أقول: الأصل عدم الأمر، وإنما دلَّت الظواهر على إذنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لهم أن يُصلِّي معاذ معه، ثم يؤمَّهم. فإن ادَّعَى مدّعٍ أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر معاذًا أن ينوي بصلاته معه نافلة، وبصلاته بقومه الفرض، فعليه البيان، والأصل عدم ذلك.
وفوق هذا، فقد جاء في رواية ابن جريج عن عمرو عن جابر:«هي له تطوع، ولهم المكتوبة» وقد تقدم الكلام مع من زعم أنها مدرجة.