للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا ممّا يدلُّك أنّ ما وقع من عمر رضي الله عنه من جَمْعِهم على أُبي بن كعب إنما كان في آخر خلافته. وهذا كلُّه يُثبِت أن الصواب ما دلَّ عليه حديث زيد.

فأمّا ما في رواية عروة [ص ٤] فقد فتح الله عليّ بجوابين:

الأول: أن يقال: إن هذا اللفظ الذي وقع في رواية عروة منسوبًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس هو عين اللفظ النبوي، بل قد يكون اللفظ النبوي هو الذي وقع في حديث زيد أو في رواية عمرة. فأما ما في رواية عروة فتصرَّف فيه الراوي على وجه الرواية بالمعنى، على حسب فهمه.

الجواب الثاني: أنه على فرض أن ما وقع في رواية عروة هو عين لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فالتوفيق بينه وبين حديث زيد ــ مع تجنُّب الإشكالين ــ متيسِّر بحمد الله، بأن يقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - احتبس عنهم أوّلًا؛ ليصرِفَهم إلى الصلاة في البيوت، لمزيد فضلها، كما في حديث زيد، ثم كأنهم لمّا صنعوا ما صنعوا من التنحنُح ورفْع الأصوات وحَصْب الباب هَمَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يستجيب لإلحاحهم، فيخرج فيصلِّي بهم، لكنه خشي أن يكون في ذلك ما يؤكّد شناعةَ صنيعهم؛ لأنه يثبت بذلك [ص ٦] أنهم اضطروا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إلى فعل ما يكرهه، ولعلّ هذا يوجب أن يُعاقَبوا بأن يُفرض عليهم ذلك العمل. فلم يخشَ ترتُّبَ الفرض على المواظبة، بل على إلحاحهم إذا تأكّدت شناعتُه باستجابته لهم. فتدبَّرْ.

ولم أرَ مَنْ نحا هذا المنحى مع ظهوره، ومع استشكالهم ظاهرَ ما وقع في رواية عروة. فكأنهم احتاجوا إلى المحافظة على ظاهر ما في رواية عروة