وفي "المسند"(ج ٦ ص ١٤) في ذكر موضع صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة:"وجعل المقام خلف ظهره".
وذكر المحب الطبري في "القِرَى"(ص ٣١٢ وما بعدها)، والفاسيّ في "شفاء الغرام"(ج ١ ص ٢١٩) أخبارًا وآثارًا تتعلّق بذاك الموضع، منها: من "سنن سعيد بن منصور" عن ابن عبّاس أنّه قال ــ وهو قاعدٌ قبالةَ البيتِ والمقام ــ: "البيت كلُّه قبلة، وهذه قبلته".
وقد تقدّم في الفصلين الثاني والثالث ما يدلّ على أنّ إبراهيم عليه السلام انتهى إلى ذلك الموضع في قيامه على المقام لبناء البيت، وقام عليه وهو فيه للأذان بالحجّ.
فالبيت الذي بناه إبراهيم عليه السلام قبلة، والجانب الذي كان القيام فيه ــ وهو ما بين الحِجْر والحَجَر ــ خاصٌّ في ذلك. والموضع الذي كان القيام عنده أخصّ.
وشُرعت الصلاة إلى المقام؛ لأنّ عليه كان القيام.
فارتباطه بذاك الموضع من جدار الكعبة واضحٌ، وتعلُّق الصلاة بأن تكون إلى القبلة أبلغُ وأهمُّ من تعلُّقها بأن تكون قربَ القبلة.
التغيير الذي لا بدّ منه يقتصر على التخفيف من الحق الأوّل للمقام ــ وهو القرب من الكعبة ــ ولعلّه أخفُّ حقوقه، وبذلك عمل عمر؛ أخّر المقام بقدر الحاجة محافظًا على الحقّين الأخيرين: بقاء المقام في المسجد، على السّمت الخاص.
تقدّم في قول ابن عيينة الثابت عنه: "فحوّله عمر إلى مكانه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ،