ومع هذا كله، فإن هذه المنافع غير مقررة في الشرع؛ لاختلاف أهل العلم فيها، وعلى ذلك فلا تقوم بكراهية الطلاق من أصله فضلًا عن الطلاق البائن.
ولهذا ــ والله أعلم ــ حظر الطلاق في الحيض، وفي طهر قاربها فيه، والعلة في ذلك ــ والله أعلم ــ أن الزوج بعد مقاربة زوجته يقل ميله إليها إلى مدة، وعند قلة الميل [ص ٤] قد يطلق عن غير نفرة صادقة، ولعله لو صبر أيامًا قوي ميله إليها، فأعرض عن الطلاق.
فإذا كانت حائضًا كان لعله قريب العهد بها في الطهر الأقرب، ومع ذلك فإن النفس تنفر عن الحائض للأذى، ولحظر الشرع مقاربتها، فالنفس يائسة منها، فلا تتحدث بمقاربتها.
والطهر الذي قاربها فيه يكون قريب عهد بها، فإذا حاضت المرأة ثم طهرت كان الميل قد قوي في الرجل؛ لأنه قد بعُدَ عهدُه بها؛ ولأنه يتمثلها قد اغتسلت، وتطيبت، ولبست، وتزيَّنت، فيدعوه ذلك إليها، فيعرض عن الطلاق، ما لم تكن النفرة قد قويت.
ومع ذلك لم يأذن له إلا بطلقة واحدة، وفرض عليه نفقتها، لئلا ينسد باب الصلح، وإبقاؤها في بيتها، وهو في الغالب بيته الذي يسكن فيه، أو قريبًا منه، وأطيلت العدة إلى ثلاثة قروء، إذ لعله يقوى ميلُه إليها في أثناء هذه المدة، وينسى ما بعثه على الطلاق من الإساءة، وقد تهيج به الذكرى وهو على فراشه، فلا يكون بينه وبينها إلا أن يراجع، ثم يكشف الستر، أو يدقّ الباب.