للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العصبة، فإنه يحتمل ذلك، لأنّ من شأنِه المحاماةَ عن مولاه والدفاع عنه بدون التماس مقابل، فينبغي أن يكون من شأنه الحرصُ على أداء الحقوق اللازمة لمولاه ولو من ماله، أعني العصبة، فضلًا عن المسامحة بما يستحقُّه على المولى. ومما يؤيد هذا حكمُ الشرع بدية الخطأ على عاقلة الجاني.

ثم إن للأخ من الأم حقًّا آكدَ من حقِّ الأخ للأب، وذلك أولًا من حيثُ كونُه ولدَ الأمّ التي أُمِرْنا بصلتها أكثرَ من الأب، فوردَ: "بِرَّ أمَّك ثمَّ أمَّك ثمَّ أمَّك ثم أباك" (١) أو كما قال. ووردَ أن مِن بِرِّ الوالدين بِرَّ القرابة التي كانت قرابةً بواسطتهما، وبِرَّ أهلِ وُدِّهما (٢).

فُضِّلت على الأب [في الميراث] أيضًا، فجُعل فرضها ......... عدم الولد الثلث، وليس للأب إلّا ما بقي، فنتجَ من ذلك أن تنالَ ضِعفَه إذا كان معهما زوج. وهذا صريح القرآن، وخلاف ذلك خطأ.

وسِرُّ المسألة أن الأب جامع بين السببين اللذين أوضحناهما أولَ هذا البحث، أعني استحقاق الصلة والعصوبة، فاستحقاق الصلة غايته السُّدس، ففُرِض له مع الولد خشيةَ أن ينقصَ منه، ولم يُفرَض له مع عدم الولد لأنه لا يَنقُص عنه. وعلى هذا فأخذُه أكثرَ من الأمّ في بعض الصور ليس تفضيلًا له عليها من حيث استحقاق الصلة، وإنما بقي هناك شيء غير مستحق، والعصبة أولى به، والأب أولى عصبةً هنا.

وإذا ثبت أن الأم آكد استحقاقًا من الأب، فكذا يكون ولدها بالنسبة إلى


(١) سبق تخريجه.
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٥٢) من حديث ابن عمر.