للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما حملوا عليه الآية كما يأتي. والظاهر أنه لو لم يقل: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} لما زادوا على قولهم، وهو أن يكون للأم مثل نصف ما للأب حيث لم يكن ولد ولا إخوة، فلو أريد دفعُ ما قام لديهم من النظر لصرَّح بأن للأم مع الأب الثلث مع وجود الزوج مثلًا.

فالجواب أن سنة الله عزَّ وجلَّ في إيراد الحجج الاكتفاء في أكثرها بالتنبيه عليها تنبيهًا كافيًا، لمن حَرَصَ على الحق وأنعمَ النظر ووُفِّق للصواب وما تقتضي الحكمة من ترجيح مقابله في نفسه، وأن يدع مناصًا لمن كان له هوًى أو قصَّر، ومجالًا لما قد تقتضيه الحكمة في بعض الجزئيات من ترجيح الله عزَّ وجلَّ في فهم القاضي خلاف الراجح، لاقتضاء الحكمة ذلك في تلك الجزئية، وهذا موضَّح في موضع آخر.

وههنا تنبيه كافٍ، فإن التأكيد بقوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} قد دلَّ على شدّة العناية بتثبيت أن الكلام في حال اجتماع الأبوين، وإنما يكون ذلك لما ذكرنا، ثم قد عمَّت الآية الحالين، أعني أن يكون هناك أحد الزوجين أو لا، ونصَّت نصًّا قاطعًا على ذلك في الجملة، فكانت منه صورة قطعية، وهي أن ينفرد الأبوان وليس معهما أحد الزوجين، ولزم من ذلك أن يكون الحكم كذلك عند وجود أحد الزوجين، إذ المعروف في الفرائض أن الوارث إذا نقصَ فرضُه بسبب وارثٍ آخر كان وجوده ناقصًا لذاك باطّراد، كالولد مع الأم أو الأب أو أحد الزوجين ينقُصُهم على كلّ حال، وكالإخوة مع الأم ينقصونها على كل حال، ففي أبوين وأحد الزوجين من ينقص الأم؟ لا يمكن أن يكون الأب، فإنه إذا لم يكن أحد الزوجين لم ينقصها قطعًا، ولا يمكن أن يكون أحد الزوجين لأن أحدهما لا ينقصها عند عدم الأب.