ثم ذكر الحافظ تلك الطرق، وعامَّتها ضعاف، إلا أنه ذكر أن الطبرانيَّ أخرجه من طريق يعقوب بن مجاهد، عن عروة، عن عائشة، وأن الطبراني أخرجه عن حذيفة مختصرًا، قال:«وسنده حسن غريب».
أقول: أما رواية حذيفة فمع الغرابة هو مختصر، وكأنه ليس فيه تلك الألفاظ المنكرة، وينبغي النظر في سنده؛ فإن الحافظ ربما تسامح في التحسين. وكذا ينبغي النظر في سند الطبراني إلى يعقوب بن مجاهد؛ فأخشى أن يكون فيه وهم؛ فإن المشهور رواية عبد الواحد بن ميمون عن عروة، وعبد الواحد متروك الحديث.
وبالجملة، فاقتصار الحافظ على قوله:«إن تلك الطرق يدلُّ مجموعها على أنَّ له أصلا»، ظاهرٌ في أنه ليس في شيء منها ما يصلح للحجَّة. ودلالة مجموعها على أنَّ له أصلًا لا يكفي في إثبات هذه الألفاظ المنكرة. ولو فهم البخاري رحمه الله من تلك الألفاظ ما يزعمه الملحدون لما ذكر هذا الحديث في صحيحه.
وهذا من المهمَّات؛ فإن كثيرًا من الأئمة قد يقبل الحديث؛ لأنه يحمله على معنىً له شواهد وعواضِد بمعونتها يستحقُّ القبول، فيجيء بعض الناس يحتجُّ بالحديث على معنىً منكر، قائلًا: قد قبله فلان من الأئمة، فليُتنبَّه لهذا.
ومما ينبغي التنبه له أيضًا: أن الشيخين أو أحدهما قد يوردان في الصحيح حديثًا ليس بحجَّة في نفسه، وإنما يوردانه لأنه شاهد لحديث آخر ثابت، ثم قد يكون في هذا الحديث الذي ذكراه شاهدًا زيادةٌ لا شاهد لها، فيجيء مَنْ بعدهما يحتجُّ به بالنسبة لتلك الزيادة، وربما حمل الحديث على