معنىً آخر غير المعنى الذي فهمه صاحب الصحيح، وبنى عليه أنه شاهد للحديث الآخر.
وبالجملة، فمَن أراد الاحتجاج بالحديث لا يستغني عن النظر في إسناده، بعد أن يكون له من المعرفة ما يؤهِّله لهذا الأمر، وإلَّا أوشك أن يَضِلَّ ويُضِلَّ. والله الموفق.
ومن أهل زماننا وما قرب منه من يترقَّى فيذكر الراوي وبعض ما قيل فيه من جرح أو تعديل، ولكنَّ كثيرًا منهم أو أكثرهم يكون زمامه بيد الهوى، فإن كان الحديث موافقًا له نقل ما قيل في الرجل من الثناء، وأعرض عما قيل من الجرح، وإن كان مخالفًا لهواه نقل ما قيل فيه من الجرح وسكت عن الثناء.
وأكثرهم ليس عندهم من التبحر في العلم، وممارسة الفن ما يؤهلهم للترجيح ومعرفة العلل، وأعظم ما عند أحدهم أن يتمسك بظاهر قاعدة من قواعد الفن؛ فإن كان الحديث موافقًا له تمسك بقولهم:«إن الجرح لا يُقْبل إلا مفسَّرًا»، أو:«إن كلام الأقران بعضهم في بعض لا يُلْتفت إليه»، أو:«إنَّ [٩٠] المتصلِّب في مذهبٍ يجب التأنِّي في قبول كلامه في أهل المذهب الآخر»، أو نحو ذلك. وإن كان مخالفًا له تمسَّك بقولهم:«الجرح مقدَّمٌ على التعديل»، ونحوها.
فأما جهلهم بالعلل فحدِّث عنه ولا حرج. وغاية أحدهم أن ينقل عن بعض أهل العلم تعليل الحديث أو يتنبه هو للعلَّة إن تنبَّه، ثم يعمل في ذلك عمله في الجرح والتعديل؛ فإن كان الحديث موافقًا له تمسَّك بقولهم:«المثبِت مقدَّم على النافي»، أو:«زيادة الثقة مقبولةٌ»، أو:«إن من الأئمَّة مَن يقبل المرسل والمنقطع مطلقًا»، أو: «إن تصحيح بعض العلماء للحديث