الوجه الثاني: قوله: «هل قرأ معي أحدٌ منكم»، ولو كانوا مأمورين قبل ذلك بالقراءة لَعَلِم - صلى الله عليه وآله وسلم - أنهم قرأوا كلهم؛ فكيف يقول:«هل قرأ معي أحدٌ منكم؟ ».
الوجه الثالث: قوله: «وأنا أقول مالي أنازع القرآن»؛ وهذا تعجُّبٌ؛ كما قاله أهل المعاني وغيرهم في قوله تعالى:{فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ}[النمل: ٢٠].
وهذا يدلُّ أنهم لم يكونوا مأمورين من قبل؛ إذ لو كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم أنهم كانوا مأمورين بالقراءة لعلم بأنهم [ص ٢] يقرؤون، ولو علم أنهم يقرؤون مع علمه أنّ القراءة توجب المنازعة لما كان هناك وجه للتعجُّب.
فهذه الوجوه تدلُّ على أنهم لم يكونوا مأمورين بالقراءة قبل.
فإما أن لا يكونوا أُمِروا قطُّ، وإما أن يكونوا أُمِروا أولًا ثم نُسِخ ذلك قبل هذه الواقعة. وعلى الثاني فيكون هذا الحديث دليلًا على سَبْقِ ناسخٍ، لا ناسخًا بنفسه كما زعمه الشارح.
على أنه لو كان الاستفهام إنكاريًّا كما قاله الشارح لكان هذا المعنى بحاله؛ لأنَّ الاستفهام الإنكاري يُطلق في معنيين:
الأول: الإنكار الإبطالي؛ وهو يقتضي أنَّ ما بعد أداة الاستفهام واقع، وأنّ مدَّعيه كاذب.
الثاني: الإنكار التوبيخي؛ وهو يقتضي أنّ ما بعد أداة الاستفهام واقع، وأنَّ فاعله ملوم؛ قاله ابن هشام في «المغني» وغيره.