فلو كان الاستفهام في الحديث إنكاريًّا كما قاله الشارح لكان فيه توبيخ وملامة للقاريء. وكيف يجوز أن يوبِّخهم ويلومهم على القراءة التي أُعْلِموا قبل ذلك بوجوبها عليهم، ولم يُنهَوا عنها إلى وقت الاستفهام؟
فيجب إذنْ ما قدَّمناه؛ أنه إما أن لا يكونوا أُمِروا بالقراءة قطُّ، وإما أن يكونوا أُمِروا أولًا ثم نُسخ ذلك قبل هذه الواقعة، والله أعلم.
الوجه الرابع: ما فيه من أنَّ قراءتهم معه - صلى الله عليه وآله وسلم - موجبة لأن ينازع القرآن، وإعلامه لهم بهذا ربّما يشعِر بالنهي. وفي هذا الأخير نظر، وإلَاّ لكان قوله في حديث عمران:«قد علمتُ أنَّ بعضكم خالجنيها» مُشعِرًا بالنهي أيضًا، والشارح لا يقول بذلك. وقد مرَّ قول قتادة:«لو كرهها لنهى عنها».
وعندي أنَّ بينهما فرقًا سيأتي في المسألة الخامسة إن شاء الله تعالى.
ثم قال الشارح:(وفيه النهي عن القراءة مطلقًا).
أقول: سيأتي الكلام على هذا قريبًا إن شاء الله تعالى.
قال:(وحديث أبي هريرة هذا لا بدَّ أن يكون بعد حديث عبادة؛ لأنه لو كان حديث أبي هريرة قبل حديث عبادة يلزم أنَّ الصحابة يقرؤون خلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد نهيه عنها مطلقًا، وهو بعيد).
أقول: ومتى ثبت أنَّ النهي في حديث ابن أُكيمة عن القراءة مطلقًا؟
قال:(والقول بأنَّ المنازعة إنما تكون مع جهر المؤتمّ لا مع إسراره [لا يصحُّ]؛ لما روى مسلمٌ عن عمران بن حصين ... ، والقراءة في الظهر تكون سرًّا باتفاق الأمة).