أقول: لا حاجة إلى هذا الاستدلال؛ فإنَّ القائلين بأنَّ المؤتمَّ يقرأ يقولون: يقرأ سرًّا مطلقًا. والقائل بأنَّ المنازعة إنما تكون إذا جهر المأموم يقول: قد يخالف المأموم السنة فيرفع صوته.
وقد مرَّ في الكلام على آية الإنصات ما رُوِي عن مجاهد:«كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقرأ في الصلاة فسمع قراءة فتى من الأنصار ... ».
وما رُوي عن ابن مسعود: قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لقوم كانوا يقرؤون القرآن فيجهرون:«خلَّطتم عليَّ القرآن».
وفي «سنن البيهقي»: عن أبي هريرة أنَّ ابن حذافة صلَّى فجهر بالقراءة؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يا ابن حذافة! لا تُسمِعْني وأَسْمِع الله عز وجل».
وفي بعض روايات حديث عمران في «صحيح مسلم» ما يُشعِر بأنَّ الرجل رفع صوته بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، قال عمران: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلّى الظهر، فجعل رجلٌ يقرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} الحديث.
ورأى القائل بأنَّ المنازعة لا تكون إلَاّ إذا جهر المأموم أنَّ المنازعة هي ما جرت به العادة، أنَّ الرجل إذا قرأ وكان رجلٌ آخر يقرأ بحيث يسمعه تختلط عليه القراءة.
وفي هذا نظر. والذي يظهر أنَّ المخالجة والمنازعة والالتباس المذكورات في حديث عمران وابن أكيمة وعبادة أمرٌ روحاني كان يعرض للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا قرأ سورة غير الفاتحة، وقرأها معه أحدٌ ممن يصلِّي خلفه. وسيأتي إيضاح هذا قريبًا، إن شاء الله تعالى.