قيل: فهكذا كان ينبغي أن تقول أولًا، ولا تقول:"كأن" لما ليس هو بكائن.
أرأيت البيعة الآخرة بالنقد لو انتقضت أليس تُردُّ السلعة، ويكون الدين ثابتًا كما هو، فتعلم أن هذه بيعة غير تلك البيعة؟
فإن قلت: إنما اتهمته.
قلنا: هو أقل تهمة على ماله منك، فلا تركن عليه إن كان خطأً، ثم تحرِّم عليه ما أحلَّ الله له؛ لأن الله عز وجل أحلَّ البيع وحرَّم الربا، وهذا بيع وليس بربا". "الأم" (ج ٣ ص ٦٨ - ٦٩)(١).
أقول: السياق صريح في أن كلام الشافعي رحمه الله خاص بما إذا لم تقع بينهما مواطأة، ولا قامت دلالة ظاهرة على قصد الاحتيال، وصورة ذلك مثلًا أن يَعْمِد رجل فيشتري ثوبًا بعشرة دراهم إلى أجل، ثم يتفرقان، ثم يعود المشتري إلى البائع، فيعرض عليه الثوب بتسعة دراهم نقدًا، فيشتريه منه.
فالشافعي رحمه الله تعالى يقول: لا وجه لاتهام المشتري الأول بأنه إنما اشترى توصلًا إلى الأخذ بالربا، وهناك ما يُبعِد اتهامه، وهو أن المعروف من حال الإنسان أنه لا يرضى بضياع ماله، وإذا اتهمنا هذا الرجل بالنية المذكورة كنا قد اتهمناه بأنه أراد من أول الأمر ضياع درهم من ماله، فالأولى أن يحمل على أنه اشترى الثوب رغبةً فيه، ثم عرضتْ له حاجة، أو اطلع على غبن، فعاد فباعه.