للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المودع ضمان، أو يخاف الزكاةَ، والوديعةُ لا تُسقِط الزكاة بخلاف الإقراض.

هذه بعض تلك [الفروق]. والشارع إنما سلخَ القرضَ عن البيع بالتنزيل المعلوم تسهيلاً للمعروف والإحسان، والقصدُ أمرٌ خفيٌّ وغير منضبط، أما خفاؤه فواضح، وأما عدم انضباطه فعند اجتماع القصدينِ ــ وهو قصدُ المعروف وقصد غيره من الفوائد ــ فإنه لا ينضبط الغالب منهما حتى يُناطَ به الحكمُ. وقد تقرر في الأصول أن السبب الحقيقي إذا كان خفيًّا أو غير منضبطٍ يُعدَلُ عنه إلى ضابطٍ يشتمل عليه غالبًا.

فالشارع جعلَ الضابطَ هنا هو الصيغة، فإن اختار المتعاقدانِ صيغةَ القرض كان ذلك ضابطَ إرادة المعروف والإحسان، لأنه الظاهر، والصيغة تُشعِر به. وإن عدلَا إلى صيغة البيع كان ذلك ضابطَ إرادةِ فائدةٍ غير المعروف والإحسان، لأن الصيغة تُشعِر بذلك.

ولعلَّ هذا هو الذي عبَّر عنه ابن القيم بالقصد، فإن عبارته التي نقلها عنه صاحب الاستفتاء هي في مبحث طويل نفيس، حقَّق فيها وجوبَ مراعاة القصود في العقود إذا ظهرت وانضبطتْ، وأن لا يُوقَفَ مع الألفاظ والصيغ، ومما قال في هذا البحث (١): «وهكذا [الحيل الربوية، فإن الربا لم يكن] حرامًا لصورته ولفظه، وإنما كان حرامًا لحقيقته التي امتاز بها عن حقيقة البيع، [فتلك الحقيقة] حيث وُجِدتْ وُجد التحريم، في أيّ صورة رُكِّبت، وبأيّ لفظٍ عُبِّر عنها، فليس [الشأن في الأسماء وصور العقود، وإنما الشأن في] حقائقها ومقاصدها وما عُقِدتْ له». [ص ١٢] وكرَّرَ هذا المعنى مرارًا.


(١) «إعلام الموقعين» (٣/ ١٢٦).