للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سعيد فسالمةٌ. على أننا نقول: يمكن الجمع بين الأحاديث وبين رواية بريد بما تقدم عن السلف، أنه إنما تحلُّ الزيادة والهدية إذا لم تجرِ بها عادة، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ملتزمًا للزيادة، وفي حديث قضاء البعير ما يصرِّح بذلك، فإنه أمرهم بأن يقضوا الرجل بَكْرَه، فطلبوا فلم يجدوا إلا رباعيًّا، فذكروا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك، فأمرهم بإعطائه. فظهر من ذلك أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يأمرهم بالزيادة أولًا، وإنما أمرهم بقضائه، فلو وجدوا بَكْرَه لقضوه إياه، ولو علموا من عادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قضاءَ الأفضل لما راجعوه.

وأما الوجه الرابع ففيه أمران: الأول: أنه مبني على أن ربا القرآن مجمل، وقد تقدم ردُّه. الثاني: أن المفسَّر عند الحنفية هو ما أوضح المراد به بحيث لا يبقى احتمال تأويل ولا تخصيص، فقول شارح «الكشف» أن المجمل لا يصير مفسرًا بخبر الواحد، إنما عنَى: لا يصير مفسرًا بهذا المعنى، كما يُعلم من مراجعته ومراجعة غيره من أصول الحنفية، وهم متفقون على أن خبر الواحد كافٍ لبيان المجمل بحيث تقوم به الحجة، وإن لم يصِرْ مفسرًا بالمعنى المذكور، بل قالوا كما في «تحرير ابن الهمام»: «إذا بُيِّن المجمل القطعي الثبوت بخبر واحدٍ نُسِب إليه، فيصير ثابتًا به، فيكون قطعيًّا». ثم قال: «ومنعه صاحب التحقيق وهو حقٌّ». انظر «التحرير والتقرير» (ج ٣ ص ٤٠).

وبهذا المعنى أجاب بعضهم عما أُورِد عليهم في قولهم: إن القعدة الأخيرة فرض في الصلاة، مع أنهم لم يحتجوا عليها إلا بخبر واحد، وخبر الواحد لا يفيد الفرضية على أصلهم. ولقولهم بقطعية المعنى الذي بيَّنه خبر الواحد المبيِّن لمجمل قطعي وجهٌ يؤخذ مما قررتُه في رسالة «العمل