للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما كونه قاضيًا معزولًا يشهد بقضية وقعت لديه فليس هذا قادحًا في الشهادة، إلا إذا شهد بأنه حكم، أما إذا شهد بنحو إقرار وقع في مجلسه فإنها تُقبل. قال في «الروضة» (١): إذا قال القاضي بعد الانعزال: كنتُ حكمتُ لفلانٍ بكذا، لم يُقَبل إلا ببينة. وهل تُقبل شهادته بذلك مع آخر؟ وجهان: قال الإصطخري: نعم. والصحيح باتفاق الأصحاب المنعُ، لأنه شهد على فعلِ نفسه».

إلى أن قال: «ولو شهد المعزول أنه ملك فلان، وأن فلانًا أقرَّه في مجلس حكمي بهذا، قُبِلَت».

ولما لم يفسّر لنا هذا الإبراء الذي يذكره ولم يبيّن لنا صيغته، واشتدّت الريبة وتضافرت أسباب التُّهم، بحثنا عن حكم ذلك ونحوه، فعثرنا في «عماد الرضا» لشيخ الإسلام زكريا رحمه الله على ما لفظه (٢): «فائدة، هل يجوز للشاهد أن يشهد باستحقاق زيد على عمرو درهمًا إذا عَرَف سببه، كأنْ أقرَّ له به، فشهد أن له عليه درهمًا؟ قال ابن الرفعة: قال ابن أبي الدم: فيه وجهان، أشهرهما: لا تُسمع شهادته وإن وافقه في مذهبه؛ لأن الشاهد قد يظن ما ليس بسبب سببًا، ولأنه ليس له أن يرتِّب الأحكام على أسبابها، بل وظيفته نقْلُ ما سمعه من إقرار أو عقد أو غيره، أو ما شاهده من الأفعال. ثم الحاكم ينظر فيه، فإن رآه سببًا رتَّب عليه مقتضاه. وهذا ظاهر نصّ «الأم» و «المختصر». وقال صاحب «الشامل» وغيره: بعد اطلاعه على النصّ تُسمَع شهادتُه، وهو مقتضى كلام «الروضة» كأصلها».


(١) (٨/ ١١١).
(٢) (١/ ٢١٤ - ٢١٥) مع شرح المناوي.