للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما تفسير السيد (١) لها بالجهل المركب، فقد مر وجهه.

وأما ما سمّاه السكاكي كذبًا، فيحتاج بيانه إلى تمهيد.

فأقول: إذا قلت: «رأيتُ أسدًا»، وأضمرتَ في نفسك أن تريد بقولك: «أسدًا» رجلًا شجاعًا، ولم تنصب قرينة، فالخبر إنما يعطي أسدًا حقيقيًّا، وهذا مخالف لما أضمرته على كل حال.

ثم قد يكون الخبر مخالفًا للواقع في نفس الأمر وفي اعتقادك، كأن يكون الواقع أنك رأيت رجلًا شجاعًا، واعتقدت ذلك وتعمدت ترك القرينة، وقد يكون مخالفًا للواقع في نفس الأمر فقط، كأن تكون رأيت لصًّا رجلًا شجاعًا مختبئًا في غار بعيد، فعرفت ذلك وأردت الإخبار به، وظننت أن هناك قرينة والواقع أنه لا قرينة، أو تكون حسبته أسدًا حقيقيًّا، ولكن أحببت أن تخبر بأنه رجل شجاع، وغفلت عن نصب القرينة.

وقد يكون موافقًا للواقع في نفس الأمر فقط، كأن تكون رأيت أسدًا حقيقيًّا في غار، فعرفت ذلك، ولكن أردت الإخبار بأنه رجل شجاع، وغفلت عن نصب القرينة، أو حسبته رجلًا شجاعًا وأردت الإخبار بذلك، وغفلت عن نصب قرينة، أو حسبته رجلًا شجاعًا، ولكن أردت إيهامَ أنه أسد حقيقي، فتأولت في نفسك، وتركت نصب القرينة عمدًا.

وأغلب هذه الصور وقوعًا وأقربها إلى الاشتباه بالاستعارة هي الأولى، وهي كذبٌ عمدٌ.


(١) انظر «فيض الفتاح» (٤/ ١٥٢).