فارتفاعه إنما هو بإرادة المعنى المجازي، والدال عليه هو القرينة، فانتفاء الكذب لأجل وجود القرينة».
أقول: الظاهرية يعرفون ويعترفون أن في الكتاب والسنة ما لا يحصى من الكلمات المستعملة في معانٍ لولا القرينة لكانت ظاهرة في غيرها، ولكنهم يزعمون أن ذلك كله من الحقيقة، ويقولون: غاية الأمر أن العرب وضعت الكلمة لهذا المعنى بحيث يفهم منها مطلقًا، ووضعتها لهذا المعنى الثاني بحيث يفهم منها مع القرينة، ككلمة «أسد» للسبع المعروف وللرجل الشجاع، وهي على كلا الحالين حقيقة، إذ لم تستعمل إلا فيما وضعت له.
فمحطُّ إنكارهم إنما هو أن تأتي في الكتاب والسنة كلمة مستعملة في معنى لم توضع له في أصل اللغة.
وقولهم:«لأنه كذب بحسب الظاهر» يعنون به أن العربي المخاطب بلغة العرب إنما يحمل الكلمة على ما وضعت له في أصل اللغة، فإذا سمع كلمة «أسد» عرف أنها موضوعة للسبع المعروف وللرجل الشجاع، فإذا رآها مجردة عن القرينة عرف أن المراد بها السبع المعروف، وإذا رآها مع القرينة عرف أن المراد بها الرجل الشجاع، فهي عنده بمنزلة حروف (ج ح خ) في الكتابة، الشكل موضوع لكل من الثلاثة، فإذا أهمل عرف أنه الحاء المهملة، وإذا نقط من تحته عرف أنه الجيم، وإذا نقط من فوقه عرف أنه الخاء المعجمة، ومع ذلك فالشكل مشترك بين الحروف الثلاثة، أصلٌ في كل منها.
فعلى هذا فإذا أشرت لعربي إلى رجلٍ، فقلت:«هذا أسد» عرف فورًا أنك تريد أنه شجاع، لكن إذا أشرت إلى رجلٍ، فقلت: هذا حمار، فإنه