للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ربي قد غضب اليوم ... وذكر كذباته».

وقد جاء الحديث من رواية جماعة آخرين من الصحابة.

فإطلاق الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام على تلك الكلمات «كذبات» يدفع أن تكون من المعاريض [ص ٦٠] التي لا رائحة للكذب فيها.

ويؤكده أن نبينا كان شديد التوقير لأبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. صح عنه أنه قال: «نحن أولى بالشك من إبراهيم» (١). وقال له رجل: يا خير البرية! فقال: «ذاك إبراهيم» (٢).

فكيف يُظَنُّ به أن يقول: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات» وهو يعلم أنها ليست من الكذب في شيء؟

مع أنه تحرى في هذا الحديث الثناء على إبراهيم، فبيَّن أنه لم يقع منه كذب إلا تلك الثلاث، ثم قال: «ثنتين منهن في ذات الله عز وجل، قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا. وقال: بينا هو ذات يوم وسارة (يعني امرأته) إذ أتى على جبار من الجبابرة .... ».

فإن قيل: قد يكون الكلام من تأكيد المدح بما يشبه الذم، كقول النابغة (٣):

ولا عيبَ فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلولٌ من قِراع الكتائب


(١) أخرجه البخاري (٤٥٣٧) ومسلم (١٥١) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه مسلم (٢٣٦٩) من حديث أنس بن مالك.
(٣) «ديوانه» (ص ٤٤) ط. دار المعارف.