بهم تنتظم أمور العباد، لأن جبريل كان موكّلا بالوحي، وإنزال الكتب السماوية على الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، وتعليم الشرائع، وأحكام الدين، وميكائيل موكّل بجميع القطر، والنبات، وأرزاق بني آدم وغيرهم. وإسرافيل موكّل باللوح المحفوظ، وهو الذي ينفخ في الصور (١).
(عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) أي ما غاب عن العباد، وما شاهدوه، وظهر لهم (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك، فِيَمَا كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي في الدنيا من أمر دينهم، فتعذّب العاصي، إن شئت، وتثيب الطائعين (اللَّهُمَّ اهْدِني) معناه ثبّتني عليه، أو زدني هداية، كقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ) بالبناء للمفعول (مِنَ الْحَقِّ) بيان لـ"ما" {إِنكَ تهدِي مَن تشَاءُ, إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"} أي طريق الحقّ، وهو دين الإسلام، وسمي صراطًا لأنه موصل للمقصود، كما أن الطريق الحسيّ كذلك. والجملة تعليل لطلب الهداية منه، أي لأنك تهدي من تشاء الخ .. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هذا أخرجه مسلم.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنّف له.
أخرجه هنا- ١٢/ ١٦٢٥ - وفي "الكبرى" ٢٠/ ١٣٢٢ - بالإسناد المذكور. واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: فيمن أخرجه معه:
أخرجه (م) ٢/ ١٨٥ (د) ٧٦٧ (ت) ٣٤٢٠ (ق) ١٣٥٧. (أحمد) ٦/ ١٥٦ (ابن خزيمة) ١١٥٣. واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: ما ترجم له المصنف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان ما تُفتتح به صلاة الليل من
الأذكار. ومنها: بيان أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يدعو بهذا الدعاء، ونحوه في صلاة الليل، تواضعًا، وإشفاقًا, وليُقتَدَى به في الدعاء، والخضوع، وحسن التضرّع. ومنها: بيان شرف هؤلاء الملائكة، وأنهم أفضل من سائر الملائكة. ومنها: أنه ينبغي للعبد أن يطلب من اللَّه تعالى الهداية إلى طريق الحقّ, لأنه تعالى هو الهادي إلي ذلك. ومنها: أن الهداية بيد اللَّه تعالى، لا أحد يَقدِر عليها، غيره سبحانه، قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ
(١) - انظر "المنهل" ج ٥ ص ١٧٨.