وقد ساقه البخاري في "كتاب الصيام"، من "صحيحه" مطوّلاً، من طريق أبي خالد الأحمر، عن حميد، أنه سأل أنسًا - رضي اللَّه عنه - عن صيام النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -؟، فقال. ما كنتُ أُحبّ أن أراه من الشهر صائمًا إلا رأيته، ولا مفطرًا إلا رأيته، ومن الليل قائمًا إلا رأيته، ولا نائمًا إلا رأيته، ولا مَسِستُ خَزّةً، ولا حَريرةً، ألين من كَفّ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -, ولا شَمِمْتُ مِسْكةً، ولا عَبِيرةً، أطيب رائحةً من رائحة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ".
(أَنْ نَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فِي اللَّيْل) الجار والمجرور تنازعه "نشاء"، و"نرى" (مُصَلِّيًا) منصوب على الحال (إِلاَّ رَأَيْنَاهُ) أَي مصليًا (وَلَا نَشاءُ، أَن نَرَاهُ نائِمًا، إِلاَّ رَأَيْنَاهُ) أي نائمَا.
ومعنى الحديث أن صلاة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، ونومه ما كانا مخصوصين بوقت دون وقت، بل كانا مختلفين في الأوقات، وكلّ وقت صلّى فيه أحيانًا، نام فيه أحيانًا أخرى.
والحاصل أن صلاته - صلى اللَّه عليه وسلم - بالليل، لم يكن لها وقت معين , بحيث يواظب عليه، ولا يتركه، بل كان ينتقل من وقت لآخر بحسب ما يتيسّر له. واللَّه تعالى أعلم.
[فإن قلت:]: هذا الحديث يعارض ما تقدّم في حديث عائشة - رضي اللَّه عنها -: "كان يقوم إذا سمع الصارخ"، فكيف التوفيق بينهما؟
[أجيب]: بأنها أخبرت عما اطلعت عليه، وذلك أن صلاة الليل، كانت تقع منه غالبا في البيت، فأخبرت عما شاهدته في غالب أوقاته، وأخبر أنس - رضي اللَّه عنه - على ما شاهده خارج البيت في بعض الأوقات.
ويؤيّد هذا الجمع ما ثبت في "الصحيح" من قول عائشة - رضي اللَّه عنها -: "من كلّ الليل قد أوتر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - "، وما سيأتي للمصنف ٣٠/ ١٦٨١ - من قولها: "أوتر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من أوله، وآخره، وأوسطه، وانتهى وتره إلى السحر"، فخبرها هذا يوافق خبر أنس - رضي اللَّه عنهما -.
فدلّ على أن خبرها الأول محمول على ما كان يفعله في بعض الأحيان، فلا تعارض بين الخبرين. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث أنس - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا أخرجه البخاري.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له:
أخرجه هنا- ١٣/ ١٦٢٧ - وفي "الكبرى" -٢١/ ١٣٢٣ - بالإسناد المذكور. واللَّه أعلم.