للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهما عمرو بن أوس، والصحابيّ - رضي اللَّه عنه -، وبغلانيّ، وهو شيخه. (ومنها): أن فيه رواية تابعي عن تابعيّ. واللَّه تعالى أعلم.

شرح الحديث

(عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ) الثقفي (أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ) - رضي اللَّه تعالى عنهما - (يَقُولُ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أَحَبَّ الصِّيَامِ) أي أكثر ما يكون محبوبًا، واستعمال "أحبّ" بمعنى محبوب قليل، لأن الأكثر في أفعل التفضيل أن يكون بمعنى الفاعل (١) (إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، صِيَامُ دَاوُدَ - عليه السلام -) إنما كان أحب الصيام إلى اللَّه تعالى لأن فاعله يؤدي حقّ نفسه، وحقّ أهله، وحقّ زائره أيام فطره، بخلاف من يسرُدُ الصوم، فإنه يُخلّ ببعض الحقوق (كَانَ) جملة مستأنفة مبينة للجملة السابقة (يَصُومُ يَوْمًا، ويفْطِرُ يَوْمَا) قال ابن المنيّر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كان داود - عليه السلام - يَقسم ليله ونهاره لحقّ ربه، وحق نفسه، فأما الليل فاستقام له ذلك في كلّ ليلة، وأما النهار فلما تعذّر عليه أن يجزّئه بالصيام, لأنه لا يتبعّض، جعل عوضًا من ذلك أن يصوم يومًا، ويفطر يومًا، فيتنزّل ذلك منزلة التجزئة في شخص اليوم، قيل: وهو أشدّ الصيام على النفس، فإنه لا يعتاد الصوم، ولا الإفطار، فيَصعُب عليها كلّ منهما.

وظاهر قوله: "أحبّ الصيام" يقتضي ثبوت الأحبّيّة مطلقًا. ووقع في بعض الروايات: "أفضل الصيام صيام داود"، ومقتضاه أن تكون الزيادة عليه كصوم يومين، وإفطار يوم، وكصيام الدهر بلا صيام أيام الكراهة مفضولة.

وإنما كان ذلك أعدل الصيام، وأحبه إلى اللَّه تعالى, لأن فاعله يُؤَدِّي الحقوق الواجبة عليه، كما تقدّم قريبًا، بخلاف من يصوم الدهر، أي يتابع الصوم، ويسرده، فإنه يفوّت بعض الحقوق، وقد لا يشقّ عليه باعتياده، فلا يحصّل المقصود من قمع النفس، نظير ما قاله الأطبّاء من أن المرض إذا تعوّد عليه البدنُ لم يَحتَج إلى دواء.

ولم يلتزم النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - الوصف المذكور في صيامه لما قيل: إن فعله كان مختلفًا، يتضمن مصالح راجعة إلى أمته، أقويائِهم وضعفائِهم، وكان يفعل العبادات بحسب ما يظهر له من الحكمة في أوقات الطاعات، دون الحالات المألوفات والعادات. وقد روى البخاري وغيره عن عائشة - رضي اللَّه عنها -، أنها قالت: إن كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لَيَدَعُ العملَ بالشيء، وهو يحبّ أن يعمل به، خشيةَ أن يَعمَل به الناس، فَيُفْرَض عليهم"، زاد في رواية: قالت: "وكان يحبّ ما خفّ على الناس".


(١) - "المرعاة" ج ٤ ص ٢٢٣.